مذكراتكشكاط – لويجونتي

اليوسفية عبد الخالق باحجوب

في كل يوم سبت، كان العمال يتقاضون ما كان يعرف عندهم بالمصروف، وهوجزء من أجرتهم، حيث تبدأ الاستعدادات للسوق عصر هذا اليوم، عندما تتوافد القوافل التجارية من كل مكان، يسبق القهواجيون الى نصب الخيام، وملأ الخوابي والجرار الكبيرة بالماء، استعدادا لاستقبال المبكرين الى السوق، من تجار وفلاحين وحمالين ومشعوذين..

وفي المساء كان يتصاعد صوت الموسيقى من الكازينو، ليتردد صداه ما بين الوادي والبراريك، حيث كانوا يصيخون بسمعهم الى صدى هذه الموسيقى الغريبة، التي لا عهد لهم بها من قبل، في البدء كانوا يكتفون بالإنصات فقط، لكنهم لم يلبثوا أن بدؤوا يتفقدون ما كانوا يحتفظون به من آلات طرب تقليدية، من وبنادير ونايات وغيرها، ليحتفلوا هم الآخرين بليلتهم تلك – عطلة نهاية الأسبوع – فتبدأ الأهازيج والايقاعات الشعبية، كل مجموعة تمثل قبيلتها، كما أن بعض الحواة وأصحاب الفرجة، الذين يجيؤون للعمل في السوق، كانوا يفضلون قضاء ليلتهم مع العمال هناك، حيث كانوا يعقدون حلقات، مساهمين بما لديهم من فرجة وحكايات، وبما أن السكر كان قد أصبح مفقودا حتى في السوق السوداء، فقد كان يتم تحلية الشاي بقرص سكرين الذي كان يباع عند العطار..

عندما تسلم المحجوب أجرته، ذهب رفقة صديقه ميلود الى مقهى محطة القطار، حيث شربامونادا سيم، ومن تم الى محلات “الـﮔريـﮔات”، لاقتناء بعض المؤونة من لحم وخضر وخبز، كان لاندري هو من أنشأ أول مخبزة هنا، من بعد ما كانوا يأتون بالخبز من مدينة آسفي، وكانت زوجته تشرف على بيع المواد الغدائية، بينما كان هو يشرف على الجزارة والمخبزة، وكان متجر موسوريس الذي يتوفر على كل ما هو اخاذ وعجيب، من التحف والأشياء الجميلة، بجانب متجر ومقهى فرنوس، أما فيس فكان يهيء الوجبات الخفيفة في كشك ويبيع الجعة.. لا تراهم الا وهم منهمكون كليا فى أشغالهم ..

وفي الطريق وهما عائدين، حدّثه ميلودبما كان يختلج في صدره بمرارة، معلنا ومؤكّدا أنه لن يعود أبدا إلى العمل، وذلك لعدم تحمله من العناء الشديد ما لا يطيق، فيما ظل المحجوب يفكّر في نفسه، وفي المساء، بعد تناول وجبة العشاء، بدأ يفكر من جديد في ما سيقدم عليه في الأيام المقبلة، الى أن راح في سبات عميق، وعندما استيقظ باكرا (مع صياح الديك)،هبّ مسرعا من فراشه،وخرج إلى العمل من جديد.

بعد التحاق الجنود الفرنسيين، وحرس “لاليجو” وساليكان، وجحافل من الكوم المغاربة، والمتطوعون من الجالية الفرنسية لتحرير فرنسا من قبضة الألمان، ولم يبق في المستعمرة الا العجزة والمسنين والنساء والأطفال، حان موعد التحاق هذه الحشود الأمريكية، هي الأخرى بجيش الحلفاء هناك. وأصبحت المستعمرة شبه خالية، يخيم عليها الظلام،وذلك بعد أن أوقفوا انارة الشوارع في الليل، وطلوا زجاج نوافذهم من الداخل بالأزرق والأسود،لحجب الضوء خشية القصف، أما البراريك حيث يقطن العمال، فلم تكن في حاجةالى طلاء، لأنها كانت السواد بعينيه. وبعد فترة وجيزة حلت مجموعة من المتقاعدين المسنين، كانوا موزعين في مدن أخرى داخل المغرب، جاؤوا لشغل مناصب الملتحقين بالجبهة.

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد