من مذكرات “كشكاط لوي جونتي”

اليوسفية – عبد الخالق باحجوب

…وانما هي تهدف الى رصد الذاكرة الجماعية، المنبثقة من مصادرها الأساسية، المتمثلة في ثقافتنا الشفهية، الموروثة عن أسلافنا من الرعيل الأول، الذين أسسوا المدينة ورسخوا هويتنا المحلية..

دخول المريكان سنة 1942 (تابع).

لقد حظي “لوي جونتي” بتكريم وتقدير الجالية الفرنسية لما أسداه من خدمات قبل غيابه الأخير، لهذه المستعمرة التي أصبحت تعرف باسمه، بعد ما كانت تعرف بالأمس باسم “كشكاط”، اسم الوادي الذي يخترق هذه المنطقة من قبيلة “احمر”، ذات التاريخ العتيد والأمجاد المنسي.

ذات مساء وهو عائد من العمل، خطر بباله أن يمر من وسط هذه المدينة الجميلة، ليتفرج على هذه الشوارع الواسعة، والفيلات الفسيحة، والأشجارالمثمرة، والأزهار اليانعة..

وبينما هو مشدوه بجمالها ورونقها، مأخوذ بسحرها، شارد بين أحضانها، فإذا به يفاجأ بسالكاني يقفز من أمامه، متأبطا رشاشه،كان متبرما بشجرة، متربصا، يقوم بالحراسة، أشار اليه المحجوب بيده في حركة آلية:

– بون جور كمراد

انتفض الجندي وخطا خطوة الى الأمام مقطّب الجبين طويل القامة، وبدأ يصرخ ملوّحا بالرشاش في وجه المحجوب:

– فوالا كمراد.. فوالا كمراد

تجاهله المحجوب ثم قفل عائدا، وتابع طريقه المحاذي لثكنة عسكرية، متظاهرا بعدم الاكتراث بهذا الساليكاني المتعصب الذي ظل يشيّعه بنظراته المتعجرفة.

وفي يوم آخر، وبينما هو في طريقه الى العمل، فإذا به يعثر على أحدهم، محشورا تحت شجيرة بان، لا يراه الا من أمعن النظر حول جدعها، إنه جندي أمريكي، اقترب منه المحجوب بحذر شديد لمعرفة هل هو نائم أم جثة هامدة، كان ملطخ الوجه، ممرغا في قيئه، تنبعث منه رائحة كريهة، فاقد الوعي، أنفاسه متصاعدة، تركه مكانه، واتجه الى النادي الذي لا يبعد عن المكان إلا ببضعة أمتار فقط ، حيث وجد مدام فريكمان ومساعدها العياشي، وعندما أخبرهما بالواقعة تبعاه الى حيث الضحية، تفحصاه بدقة، وبخفة انتشلت مدام فريكمان، محفظته المنتفخة بالأوراق الخضراء المالية، والتي كانت بارزة بشكل ملفت، وعادت الى النادي مهرولة، فيما بقي العياشي يعض على شفته السفلى، ويضرب على فخده، وهو يؤنبه على عدم إخفاء المحفظة، فكر المحجوب أنه لو فعل ذلك، فهل سينجو بجلده، ويسلم من عواقبها ؟ خصوصا وأنه الوحيد الذي بكر هذا الصباح من هنا، إن هذا العياشي لا يعلم أنه تعرض بالأمس القريب للاعتقال والتفتيش دون سبب، هه، فكيف إذا فعلها ؟ و ضبط متلبسا ؟ لم تمر الا دقائق معدودة حتى توقفت دورية، قفز منها أربعة جنود مسلحين، سحبوه مثل البطانة، وغابوا عن الأنظار..

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد