هوس منقطع النظير

لندن: حسن السوسي  محلل سياسي  مغربي

هناك مؤشرات كثيرة يمكن من خلالها التعرف على مدى توازن الشخصية الانسانية والمؤسسات التي تمثلها، او على غياب هذا التوزان. ومن هذه المؤشرات التي لا تخطيء الا نادرا القرارات التي تقدم عليها في مواجهة قضايا الواقع ومعضلاته المختلفة.

ويمكن ان نضرب بذلك مثلا على الشكل الآتي:
الانسان السوي حقاً لا يمكن الا ان يكون رافضا لكل حالات الهيمنة والاستعمار في مختلف الأزمان والأمكنة. وينبغي بالتبعية على المؤسسات التي تمثل الاجتماع السياسي البشري، محليا واقليميا وقاريا ودوليا، ان لا تخرج عن سياق هذا الموقف النبيل، على اعتبار ان الاستعمار بمختلف تجلياته وأشكاله عدو للإنسان بكل المقاييس، على الرغم من الذرائع التي يسوقها عادة لزعم انه في مصلحة الانسان والشعوب.
غير ان رؤية الاستعمار في كل مكان وزمان والهوس بهذا الشعور من قبل شخصيات مادية او معنوية، محلية او إقليمية او قارية او دولية، يدل في عمقه على اختلال في التوازن، وهو بذلك عرض من أعراض أمراض كثيرة قد تصل في درجة منها الى مستوى انفصام الشخصية.
ان التأمل في سلوك البرلمان الأفريقي، وفي موقفه من المغرب بالذات يقدم مثالا حيا على ما يمكن ان يصل اليه انعدام التوازن الذي يولده هوس الاستعمار عندما يكون مقرونا بالحقد الذي ترعاه دول، وتضعه قاعدة لسلوكها السياسي تجاه شعوب ودول لا تجاريها في هوسها المرضي.
وبطبيعة الحال، فإن المغرب الذي لم يقم الا بواجبه تجاه مواطنيه في الصحراء المغربية في سياق استكمال وحدته الترابية، اصبح نقطة تثبيث بالنسبة لبعض المهووسين بعقدة الاستعمار، سواء في الجزائر او في دولة جنوب افريقيا، الامر جعلهم لا ينكرون على المغرب حقه المشروع في الدفاع عن وحدته الترابية والوطنية فحسب، وانما بلغ بهم هذا الهوس نعت المغرب بكل النعوت الاستعمارية البشعة وهم يعرفون انه كان حاضرا في جل معارك الشعوب ضد الاستعمار، ان لم يكن في كلها، وخاصة في معركة الشعب الجزائري التحريرية من الاستعمار الفرنسي، وفي مناهضة شعب جنوب افريقيا لنظام الميز العنصري.
ومن غريب توصيات ما سمي باجتماع البرلمان الافريقي، تلك التي تدعو الى إغلاق سفارات المغرب في البلدان الافريقية. اما السبب؟ فهو ان المغرب لا ينتمي الى القارة الافريقية؟ لانه لا يقبل بجمهورية الوهم الجزائري في الصحراء المغربية.
هكذا يكون الهوس الممزوج بالحقد قد افقد بعض زعماء القارة الافريقية البقية الباقية من علمهم بالجغرافيا، بعد ان طلقتهم الجغرافية السياسية منذ أمد بعيد.

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد