محمد أديب السلاوي
-1- تكاد تجمع كل القراءات المطروحة حول المسألة الثقافية بالمغرب الراهن، أن اختلالات متعددة تصيب وضعية هذه المسألة، ليس فقط على مستوى التدبير والاستهلاك، أو على مستوى الإنتاج والتدبير، ولكن أيضا على مستوى السياسة الثقافية برمتها. إذ أصبحت الإشكالية الثقافية المطروحة تتجاوز الفعل الثقافي، بكل تجلياته وتمثلاته.
وحتى نبقى في حدود إشكالية الكتاب والقراءة بالمغرب الراهن، (التي طرحنا في مقال سابق)لا باس من وقفة تأمل نراجع فيها، موقع هذه الأداة المؤثرة / الكتاب من المسألة الثقافية، والسلبيات المحيطة بها.
في سبعينيات القرن الماضي، ظهرت بالمغرب البوادر الأولى لما سمي آنذاك ب ” الاحتضان الثقافي” لعدد من الكتب والكتاب الشباب الذين جاءت بهم تيارات الجيل المغربي الجديد…وبدعم من وزارة الثقافة آنذاك لمبادرات الاحتضان. أصبح للمغرب جيل من الكتاب والباحثين والنقاد الذين أعطوا الحياة الثقافية المغربية موقعها على الخريطة العربية والدولية، نذكر من بين رموز هذا الجيل، الأساتذة : عابد الجابري / محمد عزيز الحبابي / عبد الله العروي / محمد سبيلا / فاطمة المرنيسي / خناتة بنونة / عبد الجبار السحيمي محمد العربي المساري / محمد برادة / احمد المريني / العربي بنجلون / عبد الكريم الطبال / عبد الكريم برشيد / عبد الرحمان بنزيدان / محمد السرغيني و احمد المجاطي / محمد بنيس / عبد اللطيف اللعبي / محمد زفزاف / محمد شكري…وغيرهم كثير من الذين انعشوا المكتبة المغربية باصداراتهم، والذين اخرجوا الثقافة المغربية من انكماشها وجمودها.
-2- لقد كانت الحياة الثقافية بالمغرب خلال هذه الفترة، تتميز ب “النضالية” والمثابرة، إذ جعلت الوزارة المختصة والجمعيات الثقافية والفنية والجامعات من الإنتاج الثقافي أحداثا بارزة على المستوى الوطني والعربي والدولي. أن بحوث أساتذة الجامعات، وإصدارات الروائيين والقصاصين والنقاد والباحثين كانت تحظى لا بالدعم المادي وحده، ولكنها كانت تحظى بعناية الناشرين والقراء والمهتمين…إضافة إلى عناية وزارة الثقافة وعناية الإعلام والإعلاميين.
ولا شك أن الهاجس من وراء دعم الكتاب وأهله خلال تلك الفترة من تاريخ المغرب الحديث، لم يكن هدفه فقط الحفاظ على المستوى الراقي للإنتاج الأدبي والفكري الذي حمله الجيل المغربي الجديد، ولكن أيضا، إعطاء الثقافة المغربية، موقعها المتميز على الخريطة العربية والدولية.
إن أبحاث العروي وعبد العزيز بنعبدالله والجابري وبلال والحبابي كإبداعات الحلوي والطبال والمجاطي والسحيمي وغلاب وبرادة وغيرهم كثير، تجاوزت الحدود، وبصمت بعبقريتها على الفضاءات الثقافية العربية والدولية، بفضل الدعم الذي تلقته من وزارة الثقافة، ومن الجمعيات المعينة، ومن الذين كانوا يدركون بعمق معنى الثقافة، وما تلعبه من أدوار في التنمية الوطنية، وفي الازدهار الحضاري للأمة.
والسؤال المحير ماذا حدث للثقافة في المغرب الراهن ؟.
لماذا تراجع نشر الكتاب وتراجعت القراءة، وتراجع الدعم الثقافي وتراجع الاهتمام بالفعل الثقافي، في وقت توسعت فيه الديمغرافية الوطنية، وتوسعت وسائل التعليم والإعلام ؟.
-3- نعم إن الآليات الثقافية في المغرب الراهن، لم تعد هي نفس آليات زمن ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إذ تغيرت المعطيات الاجتماعية، وتغيرت مؤشرات الأمية، مما فرض / يفرض على المغرب الراهن خلق مؤسسات جديدة للدعم الثقافي، / خلق قوانين جديدة لتوسيع المحيط الثقافي، لاستعمال الثقافة آلية أساسية وإلزامية للتنمية، بما في ذلك خلق مكتبات جديدة ، وأسواق ثقافية جديدة للمسرح والسينما والتشكيل والموسيقى والرقص، تأخذ بعين الاعتبار وضع المغرب الجديد على الخريطة العربية والدولية، وتعمل على الرفع من المستوى الفكري وتطوير الذوق العام للأجيال المغربية الصاعدة في زمن العولمة / زمن الألفية الثالثة ولكن العكس هو ما حدث…؟
إن الجيل المغربي الجديد، يحتضن بصمت العشرات، بل المئات من الكفاءات الثقافية والإبداعية ، التي لم تجد الساحة المناسبة التي تدعمها أو التي تستقبلها خارج الدائرة الرسمية المطبوعة بالفساد والتسيب والزبونية.
فإذا كان مغرب اليوم، يعاني من العزوف الثقافي، لا يقرأ / لا يدخل المسرح والسينما / لا يستمع إلى الموسيقى الراقية، ولا يزور القاعات التشكيلية، ذلك لأن المؤلف والباحث والناقد والمسرحي والسينمائي والموسيقي والتشكيلي تمنعه السياسات الثقافية الراهنة واختلالاتها المتعددة من أن يساهم في إعطاء الثقافة موقعها الحقيقي / من الإسهام بالثقافة في التنمية الوطنية / ومن المساهمة في أن تأخذ الثقافة مسارها الفاعل والمتفاعل.
لذلك لابد من القول بوضوح وصراحة وشفافية بضرورة إعادة النظر في الشأن الثقافي بمكوناته المختلفة، أن الأمر يقتضي الإقلاع عن ذلك الخلط التعسفي ما بين الثقافة بمفهومها العلمي، وما بين الهزال بالمفهوم الدارج / يقتضي إعادة النظر في السياسات التي تديره خارج شروطه الموضوعية. كما يقتضي إدماجه في كل الفضاءات المجتمعية والسياسية / في كل المشاريع والمقررات التنظيمية / في التربية والتعليم / في الإعلام / في المجالس المحلية / في مجالس الجهات، لأن الثقافة هي الفضاء الرحب الذي تنصهر فيه كل الأدوات والتي تخلق الرقي والتقدم والتنمية، وهو ما يعني إعادة النظر في مكونات ومشاريع وسياسات وزارة الثقافة في وضعها الراهن.
أفلا تنظرون…؟