مصطفى حيران : مدير موقغ أخبركم
— 26 نوفمبر, 2015
اندلع منذ مساء يوم الثلاثاء الماضي خبر غير مُؤكد، حتى نكون دقيقين، عن وجود تهديدات من تنظيم “داعش” الإرهابي للمغرب، وأساسه بضعة كتابات وعيدية نُشرت في مواقع التواصل الإجتماعي تحت يافطة التنظيم المذكور. وحسب تلك الكتابات التي استقت منها جريدة “الصباح” خبرها أول الأمر ثم طيرته المواقع الإلكترونية ومنتديات التواصل الإجتماعي، فإن المغرب مُهدد من طرف داعش ب”تشريد الجند وتفجير القصور، وهدم الاقتصاد، انتقاما منه على تنسيق الاستخبارات المغربية مع نظيرتها في الدول الأوروبية في الكشف عن مخططات التنظيم”.
بغض النظر عن مدى حِجِّية نص التهديد لأنه لم يتم تبنيه رسميا من طرف تنظيم “داعش” فإن ما لفت النظر فيه أكثر من مضمونه، على خطورته، هو الإشارة إلى مسألة “الإنتقام” بسبب “تعاون الإستخبارات المغربية مع نظيرتها الأوروبية في كشف مخططات داعش”.
كيف تم العِلم أول الأمر بهذا التعاون الأمني “السري” بين المخابرات المغربية ونظيراتها الأوروبية بصدد ملفات تفجيرات باريس ليوم ثالث عشر نونبر؟ هل كشفت عن ذلك الصحافة الفرنسية استنادا إلى مصادرها في أجهزة المخابرات الفرنسية؟ هل توصل إلى ذلك تنظيم داعش من خلال سطوه على ملفات سرية أو عن طريق أحد الرهائن من المصادر العليمة؟… أم أم أم…؟
لا هذا ولا ذاك. ما وقع أن مسؤولا مغربيا نافذا اتصل بالمشرف على موقع مغربي “مُقرب” وقال له: “انشر أن الأجهزة الأمنية المغربية قدمت مساعدة كبيرة لنظيرتها الفرنسية في اكتشاف انتحاريي تفجيرات باريس”. وانتشر الخبر الذي لم يكلف تنظيم “داعش” قُلامة ظفر!
لنتساءل: هل من الطبيعي أن يتم الكشف من طرف مسؤولين نافذين عن المهمات التي تقوم بها أجهزة الإستخبارات عبر العالم؟ هل سمعتم أو قرأتم مرة واحدة نقلا عن مسؤول أمريكي كبير أو صغير قال لوسيلة إعلام: “إن الإطاحة بالرئيس سلفادور أليندي من عمل جهاز “سي إي آي”؟ أو مسؤولا إسرائيليا قال: “إن قتل يحيى عياش من أداء الموساد؟”.. إلى غيرها من الأسئلة المُشابهة عبر أنحاء العالم. لماذا؟
ذلك ببساطة لأن أجهزة المخابرات المُحترفة حقا، عبر العالم، تحسب بدقة عواقب تصريحات من هذا القبيل ومنها أعمال انتقامية من الأطراف التي تُخاض ضدها معارك ذات طابع سري، فلا يعرف منها الرأي العام المحلي والعالمي سوى نتائجها التي تتصدر صحف وشاشات وسائل الإعلام عبر العالم، ولا شيء عن الجهة المنفذة اللهم تخمينات تظل مُهتزة فوق حبال عدم اليقين، حتى تنصرم عشرات السنين، فيُقيض ل”بعض” مكونات تلك العتمات المظلمة من العمل السري، مسؤولا محترفا يكتب مذكراته في أرذل العمر.
أما عندنا في المغرب، حيث يُقال أن لدينا أجهزة مخابرات مُحترفة (ما شاء الله!) فإنه قبل أن يرتد طَرَف أحد من أفراد الأمن الفرنسي الذين اقتحموا شقة منطقة “سان دونيس” بباريس حيث كان قد تمترس بضعة مشبوهين في تفجيرات باريس، كان ذلك “المسؤول المغربي النافذ” قد “وصَّل الخبز للفرَّان”!
لنتساءل مرة أخرى: لماذا كل هذه “الحماسة” الزائدة في تذييع خبر ذي طابع أمني سري له تداعياته التي لا يُمكن حسبانها في أجواء متوترة كالتي يعيشها العالم؟
ذلك من دون شك كضرب من “التبناد” أي من قبيل ما يلخصه القول الشعبي الساخر: “شوفو خوكوم علاش قاد”! أي نعم، ولا يستغربن أحد لذلك.
ثمة نقطة ضعف مستوطنة عند المسؤولين المغاربة قدماءهم ومُحدَثيهم تتمثل في بصمة “الأداء السلبي” في مجالات الشأن العام، سيما حينما تكون مشفوعة بأرقام تقارير منظمات دولية عن الوضعيات المتواضعة في مجالات اقتصادية وسياسية وحقوقية وتربوية.. إلخ. وبالتالي فإن نقطة “إيجابية” كيفما كان نوعها “تُسجل” لصالحهم يجب إشهارها كالعروس في ليلة الحناء حتى ولو كان ذلك سيؤدي إلى هدم خيمة العُرس!
ويزداد حجم الإستغراب حينما يُدقق المرء في مسألة “المساعدة الأمنية المغربية في الكشف عن إرهابيي باريس” حيث يتداول سياسيون وإعلاميون فرنسيون معطيات مُناقضة تماما لهكذا تبجح من الطرف المغربي مفادها أنه “من المبالغة القول أن المساعدة الأمنية المغربية كانت حاسمة” وأن “الدلائل والمؤشرات الميدانية من قبيل السيارة المُكتراة وغيرها من الوسائل اللوجستيكية المستعملة في تفجيرات باريس كانت تصرخ بمصادرها”.. بمعنى؟
“بمعنى أنه لم تكن ثمة حاجة إلى شرلوك هولمز المغربي لفك لغز مفتوح على مصراعية” يُجيب الساسة والإعلاميون الفرنسيون الذين انتبهوا بغير قليل من السخرية إلى التبجح المغربي غير المُبرر.
الآن ثمة تهديدات داعشية لبلادنا بناء على ما تم نشره مسنودا لمسؤول مغربي حول “مساعدة أجهزة أمنية مغربية لنظيرتها الأوروبية في الكشف عن مخططات تنظيم داعش”.
“شفتو خوكوم علاش قاد”؟!