أحمد العمراني
عرف المغرب اختبارا دستوريا و سياسيا يوم 4 شتنبر يتمثل في استحقاقات انتخاب المجالس الجماعية و الجهوية بعد وضع لدستور متقدم نسبيا و الذي يحمل مضامين ديمقراطية مهمة لم يتم استغلالها و تتنفيذها بعد كربط المسؤولية بالمحاسبة التي تبقى ، و الملاحظة الأولى أن هذه الانتخابات كانت شفافة بالنسبة طريقة الانتخاب في صناديق زجاجية شفافة ، و ليس هناك لا تهريب للصناديق و لا ملئها بأوراق المرشح المحسوب على الإدارة كما كان في عهد البصري.
لكن ما يعاب على هذه الاستحقاقات التي تبقى ناقصة و لا يمكن تصنيفها ضمن الاستحقاقات الديمقراطية بالمعايير الدولية المتقدمة ، هو حياد الدولة السلبي اتجاه الأحزاب السياسية و المرشحين و ترك الأحزاب ترشح المشبوهين و الممنوعين من انتخابات سابقة ، ثم غياب الآليات الرادعة لضبط إرشاء الفقراء من طرف المرشحين ، و قد عبر رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة و التنمية بوضوح في خطاباته الحماسية بأن حزب التراكتور يستعمل أموال الغبرة فيما نفى ذلك قياديو هذا الحزب و أعلنوا على أنهم سيرفعون دعوى قضائية في الموضوع .
لكن على العموم الانتخابات كانت ديمقراطية و الخلل ليس في الدولة التي استكانت و أخذت بعدا تكتيكيا من كل الأحزاب بما فيه حزب التراكتور الذي حصد الهزائم المدوية في كل المدن الكبرى و التي اكتسحها حزب العدالة و التنمية بسبب تقديمه لكفاءات ووجوه ليست لها سوابق في نهب المال العام و الممتلكات العامة و التي لها من المصداقية ما جعل الناس ينتقمون من كافة الوجوه التي لها سمعة سيئة سياسيا و التي قدمتها بعض الأحزاب الأخرى .
و تقدم كاسح لحزب العدالة و التنمية يعود بالأساس للضعف و الوهن الذي أصاب الحزبين التاريخيين العتيدين حزب الاستقلال و حزب الاتحاد الاشتراكي ، حيث أن التطاحنات الداخلية و الخلافات التي تهز أركان الحزبين وطنيا و في عدة جهات و مدن جعلت منها حزبين غير متماسكين و لم يستطيعا مجابهة حزب العدالة و التنمية الذي قدم كل وكلاء اللائحة من ذوي الكفاءات العالية و المتوسطة تبتدئ من شهادة البكالوريا و تنتهي بالدكتوراه.
بنكيران قاد حملة شرسة ضد أمناء ثلاث أحزاب معارضة و نجح نسبيا في استمالة الناخبين ، لكنه لم يكن مقنعا تماما ، فخطابه السياسي متقطع و بسيط و لا يحمل أجوبة لانتظارات المغاربة سوى أنه يهاجم القلاع الفاسدة و إظهار حسن النية و طهارة اليد ، الخطأ الجسيم لبنكيران هو عدم وضع حد فاصل بين حزبه و أحزاب وصفها بالفاسدة أ, استعملت أموال المخدرات خاصة في المدن الكبرى دون الحديث عن الجماعات القروية ، مما يفقده المصداقية و يعصف بها كليا.
و ستكون الانتخابات البرلمانية بنفس الشاكلة إذا لم تقدم الأحزاب الوطنية حزب الاستقلال و حزب الاتحاد الاشتراكي وجوها و كفاءات عالية و متمكنة و ليس لها ماض في الفساد ، و إذا ما لم تفعل ذلك و فضلت أصحاب الشكارة المفسدين فستلقى هزيمة نكراء ، و سيحصل حزب العدالة و التنمية على ما لا يقل عن 150 برلمانيا و ستكون الضربة القاضية لكل الأحزاب .
و خلاصة القول يمكن أن نستنتج أن هذا الزمن هو زمن الكفاءات و المصداقية و الثقة ، أما أصحاب الشكارة الجهلة الفاسدين ولو يوزعوا 500 مليون في جماعة واحدة فلن يحصدوا سوى الريح و الشوك ، و قد كان لخطاب الملك الحد الفاصل لاستمرار التصويت على من يدفع الرشاوي ، فالرشاوي تصبح غنيمة الفقراء و التصويت لأصحاب الكفاءات و نقاء اليد و منسوب الشعبية و الثقة .
المغرب قطع الشوط الأول من الديمقراطية ، و يبقى النصف الثاني هو منع كل المفسدين و المشبوهين من الترشح ، ثم اعتماد البطاقة الوطنية و اعتبار كل من وصل سن 18 سنة مسجلا أوتوماتيكيا دون حاجة لكي يتسجل بنفسه ، حتى يشارك ثلثي الناخبين على الأقل من ضمن 24 مليون ناخب في الاستحقاق القادمة، عوض 14 مليون التي لم يشارك منها سوى 7 ملايين و نصف ، مليون ونصف منها لاغية ، و حتى نرى فعلا لمن ستعطى الأًصوات خاصة حوالي 10 مليون صوت لشباب أقل من 30 سنة .