الدكتور محمد محاسن
ما وراء المناصب : مسألة موقف أخلاقي
تَمنح المناصبُ القيادية في المؤسسات الجامعية والعلمية -كمدير وعميد ورئيس جامعة وحتى وزير وصي على قطاع التعليم العالي- قدراً عالياً من المكانة والظهور. بيد أن السُّمُوَّ لا يقاسُ بالمكانة فقط، بل يُقاس بمدى القدرة على الاعتراف بجهود الآخرين، والاستعداد للاحتفاء بنجاحاتهم، والسعي الحثيث لإفساح المجال أمام الطاقات الجديدة. فالضوء الذي يشع من الآخرين لا يحجب ضوء القائد، بل إنه نور يَشِعُّ فيضفي عليه بريقاً ورونقا إضافياً.
فخ الأنا في دوائر السلطة
نلاحظ ـ مع الأسف الشديد – أن بعض المسؤولين المهووسين بحب الظهور اوالمسكونين بهوس المناصب والكراسي، يقَعون في فخ ما يمكن أن نسميه بالاستحواذ الرمزي بل وبدون مبالغة يمكن أن نصفه بالنّحل ونقصد به تجاهل المساهمين الحقيقيين، انتحال أفكارهم والاستحواذ عليها دون الإشارة إلى مصادرها، و تغييب الملهِمين بل والتضييق عليهم … وكل ذلك نابع من خوف ضمني من تراجع التأثير أو المكانة في حال الاعتراف بالآخر.
الاعتراف بالآخر يعزز الشرعية
إن تشجيع الكفاءات، والثناء العلني على العطاءات، والإشارة إلى أصحاب الأفكار، وتكريم من أَلهموا … ليست أفعالاً ثانوية، بل إنها علامات واضحة على القيادة الناضجة. فالقائد الحقيقي لا يخشى تألق غيره، بل يراه جزءاً من نجاحه ومن مسؤوليته الجماعية حيث تندمج الأنا الفردانية لتذوب في الكل.
الأمانة العلمية أساس لاحترام دائم
إن من أهم سمات البيئة الأكاديمية، عدم التفريط في الأمانة العلمية. فالاستشهاد بالمصادر، والاعتراف بالمساهمات، وتجنب السرقة الفكرية، هي متطلبات أساسية ينبغي الحرص على احترامها والحث على التحلي بها ، ليس فقط من باب احترام القانون وتطبيقه، بل لأنها تشكل جوهر الثقة بين مكونات المؤسسة والجامعة بالوزارة …
القيادة الملهمة : قيادة بالتمكين لا بالتفرد
إن القيادات العظيمة لا تُذكر فقط بما أنجزته من مشاريع، بل بما أنجبته من قامات وطاقات. كما أن القادة الذين خَلقوا بيئة داعمة، ولم يخشوا بروز الآخرين، هم الذين ينجحون في ترك الأثر الحقيقي و بصماتهم الواضحة حيثما حلّوا وارتحلوا. فالتفوق الجماعي لا يَنتقص من قيمة القائد، بل إنه يعمق أثره ويزكّي ويدعم مشروعيته.
نحو ثقافة اعتراف مستدامة
إن ما يتبقى من سيرة أي قائد ليس فقط ما أنجزه، بل كيف أنجزه. فالاحترام، والاعتراف، والأمانة الفكرية ليست ترفاً أخلاقياً، بل هي قرارات جوهرية تُظهر فهماً عميقاً لمعنى القيادة في أنبل صورها.