مصطفى حيران : مدير موقغ أخبركم
“المعطي” اسمٌ مغربيٌ قُحٌ يحمله واحد من أبرز المثقفين المغاربة هو المؤرخ والأستاذ الجامعي “المعطي منجب”..
شخصيا لم يسبق لي أن التقيتُ الرجل إلاَّ أنني قرأتُ بعضا من أبحاثه باللغة الفرنسية في أكثر من منبر متخصص وغير متخصص، وأضمرتُ له الإحترام نظرا لرصانة كتاباته وألمعية أفكاره في أكثر من موضوع يهم السياسة والتاريخ في هذا البلد.
حسب التصور الذي كوَّنته عن ذ المعطي منجب، قبل أن تُثار قضية متابعته وملاحقته أمنيا، فهو شخص قليل الظهور بمعنى الذيوع الذي “يُقَيَّضُ” ل”باحثين” و”أساتذة” تجدهم “منشورين بإلحاح” هنا وهناك في أكثر من قناة ودستة جرائد ومواقع إلكترونية.. في حين المعطي يكتفي بإسهاماته الأكاديمية والفكرية سيما باللغتين الفرنسية والإنجليزية التي ينشرها على وتيرة منتظمة، في منابر جادة بالمغرب وخارجه.
وهنا لفت ذ المعطي “انتباه” أطراف “سرية” ثم “علنية” سنسميها بأسمائها..
أحد هذه الأطراف وأهمها، في الشق الثاني من عنوان هذا المقال وهو “المخزن الملكي”..
استعملتُ شخصيا اسم “المخزن” ونعته “الملكي” منذ بضع سنوات استنادا
إلى مُعطى أكاديميا فحصته طويلا، ويرتبط بمراحل نشأة ومأسسة ومآل نظام المخزن في المغرب، وحتى لا نحيد عن صلب موضوعنا فسوف أوجز الفكرة كالتالي:
نظام المخزن نشأ نتيجة لسطوة نواة السلطة بالمغرب أي الملكية (السلطنة قبل الإستعمار) وتَشَكُّلِ أشخاص ولوبيات مصالح عائلية وقبلية وسياسية حولها.. ثم تأسَّس مع الإستعمار الفرنسي الذي منحه الأدوات المعرفية والإدارية ليأخذ بزمام أمور البلاد والعباد ثم أصبح على مدى عقود سنوات ما بعد الإستقلال مخزنا ملكيا على النحو الذي نراه الآن.
هذا المخزن الملكي استقام له الأمر بالعدة والعتاد، على مدى الصراعات التي خاضها من موقع الدفاع أو الهجوم، فأصبح هو الآمر الناهي، لدرجة لا يُطيق معها أن يُسمع صوت أو يتشكل بناء (كيفما كانت طبيعته) لا يكون له فيه موقع.. موقع الريادة طبعا.
لنعد إلى المعطي..
المؤرخ الجاد المعطي منجب اكتسب صفات الباحث في التاريخ والسياسة بأبعادها العلمية وما ينطوي عليه هذا التخصص من أخلاقيات ومعايير احترافية، ثم هو لم يكتف بالتفكير والبحث في مجال تخصصه، كما هو ديدن أغلب المثقفين والأكاديميين في هذه البلاد، بل طفق يكتب باللغتين الفرنسية والإنجليزية، والكتابة بهاتين اللغتين غير الكتابة باللغة العربية كما تعلمون.
التفتت مراكز بحث أجنبية إلى إسهامات ذ المعطي منجب وأعطتها القيمة العلمية التي تستحقها، وكان الإتصال والإتفاق على أشكال تعاون ومنها دعم مالي شفاف (أي بعلم وضوء أخضر و”مراقبة” السلطات المغربية) وتطورت إسهامات المؤرخ المعطي وتعددت مجالات اهتمامه ومنها الإعلام من خلال إسهامه في خلق جمعية وليدة اسمها “الجمعية المغربية لصحافة التحقيق” التف حولها بضعة صحافيين شباب.. وهنا بدأت المشكلة.. مشكلة المعطي والمخزن الملكي.
كان من ضمن الشباب الذين التفوا حول الجمعية المِهنية الوليدة شاب ودود خجول يتلمس خُطاه في تضاريس وعرة لمهنة المتاعة ببلاد “المخزن والغاشي” اسمه “هشام المنصوري”.. وجد هذا الصحافي الناشىء تمويلا مستقلا للقيام ببضعة تحقيقات ميدانية منها واحد حول “الرقابة الأمنية على الأنترنيت في المغرب”.
وفي خضم حماسه لموضوع اشتغاله لم ينتبه الصحافي الشاب هشام أن خطواته وحركاته وسكناته.. موضوع مراقبة لصيقة، فنحن في بلاد تغول الرقابة الأمنية على كل شىء. لا يمكن أن تخرج الضرطة من مخرج موضوع مراقبة دون أن “تُحلَّلَ” و”تُصنَّفَ” و”تُؤرشَفَ” أو “يُسْتَأْنَفَ”… بشأنها.
وكان “الإستئناف” بشأن ارتباط الصحافي الشاب هشام المنصوري بالجمعية المغربية لصحافة التحقيق وبموضوعه “المُكَهْرب” المُومأ له. والبقية تعرفونها بلا شك، فحتى كتابة هذه الأسطر ما زال هذا الشاب “الورزازي” (نسبة إلى مدينة ورزازات) يقبع في السجن مُدانا بعشرة أشهر حبسا بتهمة “إعداد بيت للدعارة”!
لست أدري ما إذا كان ذ المعطي منجب قد أحس حينها ب”الصهد” (اللفح) يقترب منه أم لا، فالأمر كان واضحا جدا.
هو ذا المعطي يخوض حاليا صراعا غير متكافىء مع المخزن الملكي الذي يسخر بعضا من عدته وعتاده اللذين يستحوذ عليهما لدرجة أن وزير العدل والحريات (سيك) مصطفى الرميد لا يملك له وهو يخوض إضرابا مفتوحا عن الطعام قاربت مدته نصف شهر سوى “التعاطف”!
المؤرخ والباحث المعطي منجب يشتغل بشكل مستقل في بعض أبحاثه سيما تلك التي يحررها باللغتين الفرنسية والإنجليزية وينشرها في مطبوعات أجنبية بتمويل من مؤسسات علمية وجمعيات غير حكومية غربية، وهذا أمر يحمل أكثر من سبب لإثارة غضب المخزن الملكي، وكان لزاما إيقاف ذ المعطي عند حده.
المخزن الملكي في عهده الجديد (الذي أصبح قديما الآن) مع محمد السادس وفؤاد عالي الهمة وإلياس العماري، لديه وعي حاد أكثر مما كان عليه الأمر إبان طبعته “الغابرة” مع الحسن الثاني وإدريس البصري، بأهمية المال لذا فهو (المخزن الملكي) يفعل كل شيء لمراكمة أكبر قدر منه واحتكاره ومراقبة الأيدي التي تتداول كميات كبيرة “مُلفتة للإنتباه” واستعمالاته… إلخ، لإعتقاده أن “كل الشرور” تأتي منه. فما بالك وقد تحالف المال والفكرة، إنه الشر المستطير بعينه!
لقد كان مطلويا “كَوت كو كَوت” كما يقول الفرنسيون أن يصمت المعطي.. قالها المخزن الملكي وها هو ذا الأمر يُنفذ.
هل يُعقل أن يُتَّهَمَ مؤرخ وأستاذ جامعي بتهمة “المس بأمن الدولة”.. أستاذ يحمل قلما ولديه فكر ومصداقية علمية لدى مؤسسات دولية معروفة؟
نعم ممكن، وتفاصيل الأسباب في ملفات المخابرات المغربية المتخصصة في الشؤون الخارجية.. “كَالها المخزن الملكي.. داز فيك تران آ المعطي”!