محمد أديب السلاوي
من المفترض أن يحتفل المعهد الوطني للفنون التشكيلية بتطوان، وكل المدارس والمؤسسات المشتغلة بهذه الفنون، بالذكرى السادسة لرحيل الفنان الكبير المكي مغارة أحد الأساتذة الكبار للتربية التشكيلية، وأحد مؤسسي تاريخ الفن التشكيلي المعاصر في بلادنا، التي تحل هذه الأيام. إلى هذا الفنان الكبير يعود الفضل، كل الفضل في تربية وإعداد الأجيال التشكيلية المتلاحقة في المغرب الراهن، إذ تخرج على يديه العديد من المبدعين الطلائعيين الذين يعتبرون حتى الآن دعامة هامة للحركة التشكيلية المغربية.
ألم يتذكر المعهد الوطني للفنون التشكيلية، الذي قضى به الفنان الراحل سنوات عمره هذه الذكرى…؟
ألم يستحق منه ومن وزارة الثقافة، معرضا تكريميا لأعماله الإبداعية التي أسست للفن التشكيلي المعاصر ببلادنا ؟
ألم يستحق من هذا المعهد ومن المؤسسات الإبداعية والثقافية، ندوة فكرية عن منهجه في التربية التشكيلية، وفي التعليم الأكاديمي للفنون التشكيلية بالمغرب ؟
في هذه الورقة، نحاول تذكير الفضاء التشكيلي المغربي بعلم من أعلامه الكبار، لعل الذكرى تنفع المومنين.
*****
ازداد الفنان المكي مغارة بمدينة تطوان في بداية العقد الثالث من القرن الماضي، وبعد أن أتم دراسته الأولية رحل إلى أروبا، حيث درس بالمدارس العليا للفنون التشكيلية في كل من مدريد وباريس وبروكسيل، ليعود بعد ذلك إلى المغرب، ليحترف مهنة التدريس بالمدرسة الوطنية للفنون بمدينة تطوان، حيث تتلمذت على يديه أجيال من الفنانين الشباب.
منذ بداياته الأولى، أواسط خمسينات القرن الماضي، انتبه الفنان مغارة إلى أهمية التراث المعماري والفلكلوري المغربي، فجعل منه أرضية تشكيلية لأعماله، ومن بوابته تسلل إلى الواقع لتفكيكه وإعادة تركيبه وفق رؤية تشكيلية، مغرقة في الحداثة.
يتمتع الفنان المكي مغارة رحمه الله، بقدرة حرفية فائقة وسيطرة كبيرة على أدواته، كي يجعل المتلقي يعيش معه ويحلق في سماء ألوانه وظلالها، والجميل في ذلك أن المتلقي لا يجد في أعماله مستويات متفاوتة في النوعية على صعيد انجازاته بمختلف مراحلها، فكافة الأعمال لديه تحظى بقدر كبير من المهارة الفنية ومن القيم الجمالية، وهو دليل على حجم المسؤولية التي يحملها الفنان ويتحملها تجاه الفن، باعتباره رسالة موجهة إلى المتلقي صاحب المصلحة الحقيقية في كل ما ينتجه الفنان.
منذ بداياته الأولى، احتلت المدن المغربية العتيقة وحاراتها الشعبية قلب اهتماماته، إذ سافر بألوانه بين أزقتها الضيقة وبيوتها الواسعة، دق بفرشاته أبوابها المنقوشة بمختلف الزخارف التراثية ذات الطابع المغربي الأصيل، فداخل فضاءات هذه المدن والحارات أنجز تكويناته الفنية وعالج موضوعاتها بروح المعاصرة دون أن يسقط في شرك الحداثة المستوردة.
هكذا احتلت المدن والحارات والأسواق المغربية العتيقة، قلب اهتماماته الإبداعية، إذ سافر بألوانه إليها، ودق بفرشاته نقوشها وزخارفها وأشكالها الهندسية، إلا أن تطوان / مسقط رأسه، ظلت دائما وباستمرار هي ملهمته، التي جعلت منه فنانا منحازا لتراثه وهويته.
بارتباطه الوثيق بالتراث، لم يضع المكي مغارة نفسه داخل إطار محدد، ولكنه ميز رؤاه بالفهم العميق لدور اللون والخط والظل على فضاء الكثير من أعماله، وهو ما أكد باستمرار قدرته على الخروج من نمطية التقليد والتكرار، إبداعه التشكيلي ميزته كخطاب ينفذ إلى البصيرة قبل البصر.
وظفت أعماله، كل الإمكانات التقنية، ومن ضمنها تقنية الصور الثابتة/ خلط الأكواريل بالصباغة الزيتية، فضاءات متناهية من الألوان… وتحرر مطلق من أي ضغوطات أو إكراهات فنية، مع استخدام شبكة من الخطوط الدقيقة التي تخاطب من جهتها المتلقي خارج أي التزام مذهبي أو مدرسي.
*****
كان المكي مغارة ليس مبدعا في الرسم والتشكيل فقط، بل كان أيضا مصمما بارعا للقطع النقدية، إذ اعتمد بنك المغرب على خبرائه في انجاز العديد من القطع النقدية، نذكر من بينها :
- قطعة من فئة 50 درهما بمناسبة السنة الدولية للمرأة سنة 1975
- قطعة من فئة 50 درهما لتخليد الذكرى الأولى للمسيرة الخضراء سنة 1976
- قطعة من فئة 50 درهما بمناسبة السنة الدولية للطفل سنة 1979
إضافة إلى قطع نقدية أخرى تمثل الصناعة الفلاحية والصيد البحري.
*****
أحرز مغارة على عدة جوائز منها : الجائزة الأولى في رسم المناظر بأوبليا / اسبانيا سنة 1958، والجائزة الخاصة ب “صالون ماي” برشلونة / اسبانيا سنة 1956 وجائزة الشرف، معرض مشترك مغربي اسباني بتطوان سنة 1970، وتوجد أعماله في العديد من المتاحف الأوروبية والأمريكية، وضمن مقتنيات المؤسسات الاقتصادية المغربية والإسبانية.