دغدغة الذبابة والأميرة قمر الزمان

 هذه القصة أهديها لجميع الأطفال وألتمس من السيدات والأوانس والسادة المربيات والمربين والآباء استثمارها لتربية أطفالنا على قيم احترام الاختلاف

محمد مكاوي

كان لأحد الملوك في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ابنة وحيدة فاتنة اسمها قمر الزمان كانت قمر الزمان آية في اكتمال الحسن ورقة الجمال، زرقاء العينين حمراء الوجنتين كأنهما الزعفران؛

لقمر الزمان بشرة بيضاء كالقطن، قوامها رشيق يداها ناعمتان، وشعرها أسود لماع رطب يتمايل في كل لحظة وآن، تكاد بأسنانها الشديدة البياض أن تنير الطريق للعميان.

قمر الزمان مثال للأميرة العظيمة في كمال العقل وجميل الخصال ووفرة الإحسان.

كان السلطان يحب قرة عينه قمر الزمان حب الجنون أكثر من أي كان، لذلك خصص لها في الحراسة ثلاثة فرسان تهتز لقوتهم وجبروتهم الجبال ويتردد صداهم في القفار والوديان،غلاظ شداد، أرجلهم كأنها أسوار من حديد، أصواتهم يشيخ من سماعها الوليد؛ لكنهم جميعا يحبون قمر الزمان ومولانا السلطان؛

ذات يوم أعلن السلطان عن خطبة ابنته لأغنى وأكبر التجار، فقرر أن يقيم حفلا يبقى على ذكر كل لسان.

استحمت الأميرة ولبست أجمل الملابس وأبهى الحلي، وقبل أن تخرج للناس أمرها مولانا السلطان بأن تتزين بالحناء كما يفعل أهل المملكة الغناء.

قالت الأميرة في خجل: من ستعرف نقش يدي ورجلي وحيدتك قمر الزمان يا مولانا السلطان ؟

وبسرعة البرق تم البحث في أرجاء المملكة السعيدة عن إحدى النقاشات لتزيد من بهاء وحسن ابنة مولانا السلطان .

للا يطو امرأة في التسعين من عمرها وجهها مجعد، قصيرة القامة تحمل في يدها اليسرى صرة بها لوازم العمل وفي يدها اليمنى تمسك عكازة صغيرة، تعلمت مع مرور الزمان إدخال البهجة والفرحة فهي نكافة ونقاشة تجيد اختيار وتنسيق  الزخرفات والألوان.

حين دخلت للا يطو استلقت الأميرة على فراش وثير وقالت بكل احتقان: «كيف لي أن أمنحك رجلي ويدي الحسان وأنت يا عجوز النحس لا تقدرين حتى على أبسط ما يفعله الصبيان ؟»

قالت الأميرة ذلك وزمجرت بصوت كالرعد: «يا حراس اخرجوا هذه العجوز الشمطاء قبل أن تحل علينا لعنة السماء».

قالت للا يطو بكل أدب: «يا صغيرتي أطال الله في عمرك وحفظك، لقد أرسل في طلبي أبوك وسأزينك بأحسن الزينة وأنقش يديك ورجليك بأجود الأشكال والألوان».

لم تسمع قمر الزمان للا يطو وطردتها من القصر شر طردة وقالت: «يا حراس أريد نقاشة من البنات الحسان» .

خرج الحراس يتسابقون… وما هي إلا برهة  من الزمان حتى أحضروا شابة رشيقة القوام، قالت بكل تأدب واحترام: «بارك الله فيك يا مولاتي وزاد في حسنك وبهاءك وأطال عمرك وحفظ مولانا السلطان»

– سألت الأميرة قمر الزمان «هل تعرفين نقش يدي ورجلي الحسان ؟»

– «نعم يا مولاتي، لكنني أحتاج لمزج الحناء بماء الطهر».

– «ومن أين لنا بماء الطهر ؟»

ردت الشابة : «للا يطو يا مولاتي تعرف لماء الطهر المكان ؟»

أمرت الأميرة الحراس وقالت: «احضروا ماء الطهر من العجوز الشمطاء أو حيثما كان»

تسلل الحراس لبيت للا يطو فوجدوها تلهي حفيدها حتى يطهو الطعامM

نيني  أمومو

حتى يطيب عشانا

إلى ما طاب عشانا

يطيب عشاء جيرانا

ونعطيك بطيطة

ونغطيك بشريمطة

 

صاح أحد الفرسان: «نريد ماء الطهر لابنة مولانا السلطان».

قالت للا يطو: «أمهلوا علي حتى أطعم حفيدي الجوعان».

قال الحارس الثاني: «لا وقت لدينا» فدفعها دفعة قوية اهتزت بصوتها الحيطان.

تهاوت للا يطو وتهاوت من حزامها قارورة تدفقت كلها على الأرض، رائحتها أزكى من زهر الرمان،

أشارت للا يطو للقارورة وقالت بصوت خافت: «هي قارورة ماء الطهر وليس لدي اثنتان».

شربت الأرض ماء الطهر وسكنت للا يطو في دمائها وتعالت أصوات الرضيع وغادر البيت الفرسان .

في الطريق وجد الفرسان بركة ماء تزكم الأنوف برائحتها الكريهة فملأوا منها قارورة وعادوا للأميرة قمر الزمان.

أمسكت الفتاة بالقارورة ومزجت بمائها الحناء فنقشت على رجلي ويدي الأميرة رسوما ما لاعين رأت ولا خطرت على ريشة فنان.

قالت الفتاة: «يا مولاتي لا تحركي يديك ولا رجليك  ولا تتركي أحدا يدخل بيتك حتى تجف الحناء».

كانت شرفة بيت الأميرة تطل على حدائق القصر وبساتينه الغناء، وعندما هب النسيم يحمل معه روائح النرجس والأقحوان والياسمين تمددت الأميرة على ظهرها وأسندت رأسها لوسادة منقوشة  بالحرير تتأمل السقف المرصع بالياقوت والمرجان، وفجأة سمعت الأميرة أزيزا أدارت رأسها يمنة ويسرة فما رأت شيئا في المكان.

أحست بذبيب في باطن أحد قدميها الحسان؛

ذبابة صغيرة تطير وتحط ثم تطير وتحط على قدمي الأميرة قمر الزمان.

دغدغت الذبابة باطن قدم الأميرة فابتسمت وعندما زادت دغدغتها ضحكت الأميرة قمر الزمان حتى سالت دموع عينيها وأنفها سيان.

حركت الأميرة رجليها ببطء حتى لا تفسد الحناء، لكن الذبابة اللعينة ما تحركت من باطن القدم

نادت بأعلى صوتها: «أيها الفرسان»، فما سمعها إنسان، لم تستطع الأميرة تجفيف أنفها ولا مسح عينيها من الدموع.

حطت الذبابة الماكرة على أنف الأميرة قمر الزمان فحاولت الأميرة المسكينة أن تهش عليها بنفخ الهواء: ففف !!!

لكن الذبابة ما غادرت المكان وكأنها أحست بالراحة والاطمئنان، انسلت الذبابة بكل تحد لمنخر أنف قمر الزمان ابنة مولانا السلطان.

أحست الأميرة بالذل والخذلان: كيف لهذا المخلوق الصغير أن يصل بي لهذا الحد من الإهانة.

ومن شدة الألم أرادت الأميرة الإمساك بالذبابة والتخلص من هذا الذل والهوان.

صفقت الأميرة يشدة فهدأ أزيز الذبابة وانفتحت نافذة البيت واندفع منها ثيار هوائي كالإعصار.

عاد الهدوء للمكان فشاهدت الأميرة في بيتها شيخا طاعنا في السن وجهه مليء بالخطوط والتجاعيد وشعره أبيض من الحليب ولحيته طويلة طويلة، يرتدي تنورة فضية اللون يشع من وجهه نور وهاج يمسك في إحدى يديه سراج كأنه ملاك.

لم تقو الأميرة على الحركة ولا على الصراخ.

تبسم الشيخ فأظهر عن أسنان بيضاء كنور الشمس أو أشد ونطق بصوت هادئ: لا تخافي عليك الأمان ما جئت إلا لمساعدتك يا أميرة يا قمر الزمان.

ابتلعت الأميرة ريقها وهدأت من روعها وأحست نحو هذا الشيخ الوقور بكثير من الاطمئنان، فقالت:

«ومتى أسأت لأي حيوان أو نبات أو إنسان».

حك الشيخ الوقور لحيته وأمسك بدراع الأميرة وقال: «لا تحتقري من هو أصغر منك أو أكبر منك أو افقر منك فالصغير الفقير الحقير من كان دون خصال».

فتحت الأميرة عينيها ووجدت للا يطو قد أنهت نقش الحناء ورائحة عطر فواح تنتشر في أرجاء القصر الجميل فأغدقت عليها من الهدايا والعطايا النفيسة وأسكنتها مع جواري ملك البلاد مولانا السلطان.

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد