عمر الزواق
.. لا ريب أن الكتابة تتطلب مهارات فكرية وغزارة في حفظ المعلومة واسترجاعها واستحضارها في الوقت المناسب . وبالطبع فالكتابة ليست حكرا على أحد .. الكل يمكنه أن يكتب ولكن تبقى إرادة تعلم الكتابة واحترام ضوابطها وقواعدها اللغوية .. والكتابة ليست ’’ تستيف ’’ كلمات ووضعها إلى جانب مرادفاتها أو نقيضاتها .. الكتابة ليست معاكسة لما يقوم به الآخرون خصوصا إذا كانوا موهوبين وبارعين في التقاط المعاني الجميلة .. الكتابة تكامل وعمل جماعي بين الكاتب والنقاد والقراء .. بل هي صنعة وجب إتقانها لتجد مقعدها بين صفحات التاريخ ..
والكتابة , كما ترفع مكانة من أتقنها , يمكنها أن تسوء لصاحبها عندما لايستطيع أن ينقل تفكيره بالكلمات الواضحات .. عندما يحضر الحشو وتعم الركاكة ..عندما تغتال اللغة في قواعدها .. عندما يخيم الإستخفاف والرياء والإعجاب بالنفس المؤدي إلى الغرور أو الثقة المبالغ فيها المبنية على الجهل بالأمور .. عندما يكون القصد فقط هو التحدي في ساحة المداد دون امتلاك الزاد , دون التوفر على وسائل الدفاع قبل التفكر في الهجوم .. وما أكثر الأسباب في هذا الباب .
وللكتابة حكم وسحر لا يتذوقها إلا من كسب ذلك الحس الجمالي الرهيف وذلك التكوين الثقافي الثقيل .. و ’’ حكمة ’’ الكتابة تكمن ربما في النهج الذي أناره لنا خالقنا عندما أنزل ’’ إقرأ ’’ اولا .. والقراءة لا تتحقق إلا بالكتابة طبعا .. فهل تأملنا بما فيه الكفاية معنى ’’ إقرأ ’’ ؟ ثم هل تدبرنا قسم ربنا عندما نقرأ ’’ ن والقلم وما يسطرون ’’ ؟
كلماتنا أصبحت لامعنى لها لأنها خلطت بين الحق والباطل تحت طائلة المجاز .. كلماتنا تباع في السوق بالمزاد العلني .. أصبحنا نصف مثلا ’’ بالعظيم ’’ من هو أكبر الخطائين وفاق تصرف المجانين .. و’’ بالكريم ’’ من هو أسوة في البخل .. وهكذا نقتل الكتابة فتقتلنا .. وأصبحت وسائل تواصلنا مدرسة تلقن ملخصات ومختصرات ومنقولات ومهازل لغوية بدليل نسبة الأخطاء النحوية والإملائية التي ’’ تنور ’’ هذه الخربشات التي يسمونها كتابات أدبية .
وكدت أنسى أسرار الكتابة ..وأكتفي فقط بالقول إنها مجسمة أولا وأخيرا في الحروف المقطعة الواردة في التنزيل العظيم ..وقد جمعها علماؤنا في جملة فريدة لها حكمتها ..أذكر بها على أمل الرجوع إليها فيما يأتي من الأيام إن كان في العمر بقية .. عدد الحروف المشار إليها أربعة عشر حرفا , لا مكرر فيها , جمعت في هذه الجملة التي ألتمس تدبرها : ’’ نص حكيم قاطع له سر