الحركية الأكاديمية: رافعة أساسية لتجديد الجامعة وتحقيق العدالة العلمية

 

بقلم: الدكتور محمد محاسن – الداخلة

تقديم :

في زمن التحولات الكبرى، لم تعد الجامعات قادرة على البقاء في موقع المتفرّج. فالحركية الأكاديمية، بما تتيحه من تبادل وتجديد وإنصاف، تبرز اليوم كأداة استراتيجية لإعادة بناء الجامعة وتمكينها من لعب دورها الكامل في إنتاج النخبة والمعرفة. هذا المقال يضع اليد على مكامن القوة والاختلال في مسار الحركية ويقترح آليات عملية لتحويلها إلى ثقافة مؤسساتية لا مجرد استثناء عابر.

الجامعة في قلب التحول: دور الحركية الأكاديمية

تعيش المجتمعات المعاصرة على وقع تحولات كبرى في ميادين العلم والتكنولوجيا والفكر، ما يجعل من الجامعة قلبًا نابضًا لهذه الدينامية المتسارعة؛ فوظيفة الجامعة لم تعد مقتصرة على منح الشهادات، بل إنها اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مطالبة بإنتاج المعرفة وصناعة الكفاءات، وقيادة التنمية.

وفي هذا السياق، تبرز الحركية الأكاديمية كرافعة استراتيجية لتمكين الجامعة من الارتقاء والانفتاح والاستثمار الأمثل للإمكانيات الفكرية والعلمية المتاحة وطنياً ودولياً.

الحركية الأكاديمية: مفهوم واسع لا يقتصر على التنقل

لا تقتصر الحركية الأكاديمية على تنقل الطلبة والأساتذة بين الجامعات، بل تتجلى في تبادل الخبرات ونقل المعرفة والانخراط في بيئات علمية متنوعة. وهي أداة لإعادة هيكلة البرامج وإغناء المحتوى وتثمين الكفاءات.

الأهم، أنها تُمكن من تحقيق عدالة أكاديمية حقيقية حين ترتبط بالاستحقاق، لا بالقرابة أو المصلحة، وتفتح الأبواب أمام الطلبة والباحثين المتميزين الذين يشكّلون الثروة الحقيقية للجامعة.

رهانات كبرى تنتظر الحركية الأكاديمية

  1. تجديد البرامج وإغناء التكوين

تمكّن الحركية من إدخال تخصصات حديثة ومتقدمة، كالذكاء الاصطناعي والهندسة الحيوية والطاقات المتجددة وغيرها ما يُحدث نقلة نوعية في التكوين الجامعي.

  1. تكوين رأسمال بشري تنافسي

حيث إن الانخراط في شبكات بحث وتكوين دولية، يمكن من تأهيل الأساتذة والطلبة ليصبحوا فاعلين حقيقيين في مشاريع استراتيجية على الصعيدين المحلي والدولي.

  1. محاربة الريع وتكريس الجدارة والتميز

الحركية الأكاديمية، إذا فُعِّلت بمعايير واضحة، تشكل أداة لمحاربة الامتياز غير المستحق، وتشجيع الطلبة النشطين المجتهدين المكونين بالبحث من أجل البحث، بدلاً عن أولئك الذين يبحثون عن الراحة أو تحسين الوضعية دون عطاء أكاديمي فعلي ليصبحوا عالة على الجامعة عوض أن يكونوا رافعة لها.

نحو استراتيجية مؤسساتية للحركية

لكي تتحول الحركية إلى رافعة دائمة، لا بد من إجراءات مؤسسية عملية :

  • شراكات أكاديمية متعددة الأبعاد

– اتفاقيات تعاون مع جامعات رائدة؛

– الانخراط المكثف في برامج دولية مثلErasmus+, Horizon Europe وغيرهما؛

– تشجيع تبادل الأساتذة والطلبة ضمن برامج منتظمة.

  • تهيئة البنية التحتية والإدارية عبر:

– تسهيل إجراءات التأشيرات والإقامة والسكن؛

– إحداث مراكز دعم للطلبة والأساتذة الزائرين؛

– رقمنة المساطر المتعلقة بالحركية.

  • تحفيز الموارد البشرية من خلال: 

– توفير مِنح للطلبة والأساتذة المنخرطين في مشاريع تنقل؛

– الاعتراف الأكاديمي بالمكتسبات المحصّلة؛

– مكافآت تحفيزية للأقسام والمؤسسات الفاعلة في مجال الحركية.

  • ترسيخ ثقافة الانفتاح والتميز عبر :

– تنظيم ورشات للتعريف بفرص الحركية؛

– إدماج البعد الدولي في التكوينات الجامعية؛

– اعتماد معايير شفافة في اختيار المستفيدين من الحركية.

القيادة الأكاديمية : حجر الزاوية

إن القائد الأكاديمي الحق هو من يصنع الفرق. فبرؤية بعيدة وشجاعة في اتخاذ القرار وقدرة على الحشد والتأطير، يمكنه جعل الحركية الأكاديمية ثقافة مؤسساتية راسخة لا مبادرة ظرفية.

فهو من يُعلي من شأن الكفاءة ويراهن على نخبة علمية خلاقة ويصنع من الحركية الأكاديمية مدخلاً لتحديث الجامعة وتمكينها من استعادة دورها كرافعة للمعرفة والتنمية.

ومن ثمة فإن الحركية الأكاديمية ليست ترفًا مؤسساتيًا، بل إنها خيار استراتيجي لبناء جامعة مغربية منفتحة وعادلة وفعالة؛ جامعة تؤمن بالجدارة وتخدم المشروع التنموي الوطني وتستثمر في الإنسان باعتباره أساس كل تحول.

فبين من يرى فيها عبئًا إداريًا إضافيًا ومن يراها فرصة لإعادة التأسيس، يَحسُن أن نحسم : لا تجديد للجامعة دون حركية، ولا حركية دون قيادة وجرأة ومشروع

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد