“ولكل فرد دور يلعبه في تطبيق الديمقراطية. ولن تكون هناك ديمقراطية حقيقية أبدا حتى تتاح الفرصة لكل شخص بالغ مسؤول وملتزم بالقانون…”
تشينوا أتشيبي، أحد أعمدة الآدب الإفريقي
بقلم: عبد الحق الريكي
اليوم في المغرب وجل أقطار العالم هناك أزمة الديمقراطية والأحزاب. هناك فرق كبير ما بين، مثلا، فرنسا والمغرب. فرنسا شهدت في حياتها عدة ثورات، بورجوازية سنة 1779، وأخرى بروليتارية سنة 1884، والآن (2024) تشهد أحداثا كبرى بحيث هنالك أكبر حزب يساري، والبورجوازية تبحث عن ربح الوقت لتفكيك هذا التحالف اليساري (يصعب في مقال من هذا النوع الحديث أكثر).
أما في المغرب، الذي لم يشهد قط ثورة بورجوازية، والذي كان مستعمرا (البعض يحببون مصطلح حماية) من طرف فرنسا، فإنه يصعب الحديث عن الديمقراطية الليبرالية كما في فرنسا. (هنا أيضا البعض يتحدث البعض عن تنوع الديمقراطية ومسارات الدول).
قلت سابقا أن الديمقراطية وصلت إلى الباب المسدود. وما حدث في أمريكا مع الهجوم على “الكابيتول” وما يقع مع الرئيس المنتخب “إيمانويل ماكرون”، يؤكدان ذلك. فلنتحدث عن المغرب، بلدي.
حين نتحدث عن تعثر “الديمقراطية”، نتحدث عن شيء مهم ألا وهم الأحزاب. الأحزاب لم تعد كما كانت من قبل لذا هناك الحديث عن “التنسيقيات” الجديدة المحاولة لتعويض الأحزاب والنقابات. بمعنى لم يعد جدوى من الأحزاب، إذ لم تعد تلعب دورها كما كانت من قبل، أي دور الوساطة. بمعنى أنه “النظام” أصبح يواجه مباشرة “الجماهير”، لا أحزاب ولا برلمان ولا جماعات أصبحت مجدية.
لنكن واضحين من البداية. أتحدث عن الأحزاب الوطنية’ لا أتحدث عن أحزاب “كوكوت مينوت”. الأحزاب الوطنية لم تعد كما كانت في الماضي. الكل أصبح، اليوم، في أزمة: الأحزاب الوطنية أو الأخرى. لنقول الممثلة في البرلمان المغربي الحالي.
يقول البعض ” لقد أصبحت السياسة وسيلة للاغتناء…” وليس العمل المقاولاتي الصعب. إنه “الريع” بمختلف أنواع الذي يؤثث كل فضاءات الحياة في المغرب. ملك المغرب حاول ثني البعض من استعمال “السياسة للاغتناء”، لكن دون جدوى حتى الآن.
يقر كتاب صدر في إسبانيا أن الديمقراطية في هذا البلد كان الهدف منها هي خلق نخب جديدة تساعد الملكية الحديثة في إسبانيا، لأن النخب القديمة “الفرنكاوية” لم تعد صالحة. نفس الشيء بالنسبة للمغرب، “المسلسل الديمقراطي” الذي ظهر في 1976، كان الغرض منه خلق نخب جديدة تدعم “النظام”. كان مهندس هذا المسلسل الراحل الحسن الثاني، ولم تظهر نتائجه إلا مؤخرا… مع انقراض الأحزاب الوطنية وصعود أحزاب “القصر”…
كان الهدف (حسب تحليلي، كل واحد له آرائه حول هذا الموضوع وكل ما جاء في هذا المقال) هو خلق نخب جهوية تساند “النظام”، لأن هاته النخب كانت تساند المعارضة (خاصة الاتحادية) ومن بعد بعض الإسلاميين. لقد قضى “النظام” على الأحزاب الوطنية والإسلامية (يقول البعض بمساندة أطر من الداخل.
عندي ملاحظتين على هذا المستوى (ولكل آرائه): 1) هذا المخطط بدأ في سنة 1976، إذن هو بعيد المدى. لكن لما وصل إلى مداه ظهرت عيوب أخرى متمثلة في الريع والفساد الذي ينخر النخب الجديدة وغياب الوسائط الحقيقة. هناك فرضية أخرى تتحدث عن ربح الوقت (1976-2024 أي ما يقرب الخمسين سنة) كما يفعل الرئيس الفرنسي ماكرون. منذ ظهور النظام الرأسمالي، والبورجوازية تبحث عن ربح الوقت. في المغرب، أصبح اليوم، تنظيمان محوريين، التنظيم العسكري وما يدور في فلكه، والتنظيم الإسلامي غير منتمي للبرلمان الذي استطاع أن يقاوم كل شيء حتى الإغراءات ورغم القمع الكبير الذي يتعرض مناضلو وأطره إليهما…
إن أزمة الأحزاب تتمثل أساسا في غياب الوسائط. فأهم حراك هو حراك الريف (لا أنتقص من باقي الحركات)، لم يجد “النظام” بدأ من قمع واعتقال قادته الأساسيين. كل محاولات الوساطة المحلية والجهوية والوطنية فشلت. وبهذه المناسبة لا يسعنا إلا المطالبة بإطلاق سراحهم وباقي المعتقلين. نؤكد على الخطوة الايجابية المتعلقة بإطلاق الصحفيين المعتقلين.
الكل مرتبط بالريع والعمل السياسي بدون أفق. تم القضاء على الحركة الوطنية، وإعلاء صوت الانتهازيين (بمعنى انتهاز الفرص للاغتناء)، الذين أصبحوا مع الوقت، كتلة نافدة، بدون روح سياسية مسؤولة تراعي الوطن. ما يهم هؤلاء، سوى الاغتناء السريع، لدى يصعب لجمهم وهزمهم. لأن “المخزن” باتجاهه هذا (محاربة الحركة الوطنية وصعود “الانتهازيين”) يعمل دون أن يشعر على خلق تناقضات جديدة، يمكن أن تؤدي بالبلاد إلى الهاوية.
وكما قال تشينوا أتشيبي، من نيجيريا، الذي كان روائيا وشاعرا وناقدا، كاد فرد له دور الديمقراطية بمعنى آخر : “ولكل فرد دور يلعبه في تطبيق الديمقراطية. ولن تكون هناك ديمقراطية حقيقية أبدا حتى تتاح الفرصة لكل شخص بالغ مسئول وملتزم بالقانون…”… ما ينقص بلدنا هو “المسؤولية والالتزام بالقانون”، لذا نجد أن جل البرلمانيين في المحاكم، ورؤساء الجماعات، ورؤساء الأندية وحتى الأحزاب…
يقول “زكريا عبدالواحد”: “ظل أتشيبي يسعى في دأب، عبر الروايات التي أصدرها، إلى قراءة تجربة الاستعمار الأوروبي في أفريقيا وتصوير ما جرى في تلك القارة بعد رحيل هذا المستعمر، بعد أن سيطرت طبقة من الحكام والموظفين الأفارقة، حين مارس هؤلاء أقصى درجات التسلط، لدرجة أن حياة شعوب القارة، باتت أكثر صعوبة مما كانت عليه في زمن الاستعمار”.
الكل في ورطة، السياسة في ورطة، المؤسسات التمثيلية في ورطة أيضا… نداء “الملك”، لم يجد صدى في الأحزاب ولا مجلس النواب… “النظام” والحكومة في ورطة حقيقية، لا يعرفون ما يقدمون ولا يؤخرون… وللحديث بقية…
الرباط، الخميس 12 سبتمبر 2024