العوامل المساعدة في تجاوز الأطفال والمراهقين للصدمات

إعداد مبارك أجروض

لا نبالغ إذ نقول أن عواطفنا تتحكم بجزء كبير من انفعالاتنا واستجابتنا السلوكية، وهذا يبدو واضحاً في ردود أفعالنا المتغيرة تجاه المواقف المختلفة كالغضب والحزن أو الفرح والسعادة، وبالنسبة للأطفال تعد العواطف أكثر أهمية في تحريك وتحديد سلوكياتهم ومواقفهم تجاه مختلف الأشخاص والأحداث. وإذا ما تعرض الطفل لصدمة في إحدى جوانب عواطفه فسوف يكون لهذا تأثير على مختلف جوانب شخصيه وسلوكياته وانفعالاته، ومن هنا تبدو ضرورة دراسة الصدمات العاطفية التي يتعرض لها الأطفال من حيث أنواعها وآثارها وأسبابها وكيف يمكن وقايته ومعالجته منها.

وفي هذا الصدد أكدت أحدث الدراسات النفسية أن الحديث الودي والأذن الصاغية للآباء يمكن أن يكونا من أهم العوامل المساعدة في تجاوز الأطفال والمراهقين للصدمات العنيفة التي تحدث في حياتهم؛ سواء على المستوى الدراسي من فشل وتنمر واعتداءات، أو على المستوى النفسي من فقدان شخص أو شيء عزيز أو قلق ومخاوف مختلفة. كما أشارت إلى أن تعاطف الآباء ليس مجال اختيار أو رفاهية في أساليب التربية، لكنه ضرورة للصحة النفسية.

أوضحت هذه الدراسة الأميركية التي نشرت في مطلع شهر يوليوزالماضي من العام الحالي في مجلة «طب الأطفال”(journal Pediatrics) ، أن هذه التوصيات رغم أنها تبدو بديهية فإن الواقع يشير إلى أن هناك نسبة كبيرة جداً من الأطفال يعانون من عدم الاستماع والشعور بالاهتمام أو التقدير لمشاعرهم، حيث يمكن أن يكون الآباء مهتمين بالفعل، ولكن أطفالهم لا يشعرون بذلك الاهتمام. وهذا الأمر يخلق فجوة في التعامل بين الآباء والأبناء ويؤدي إلى الفشل الدراسي والمجتمعي والمعاناة النفسية (ليس بالضرورة أن هؤلاء الأطفال تتم معاملتهم بشكل سيئ من قبل الآباء أو يعانون من الاعتداء البدني أو الجنسي). وأشارت إلى أن أحد الأبوين على الأقل ينبغي أن يكون على علاقة صداقة مع الأطفال، بحيث يستطيع الطفل التحدث إليه في أي وقت من دون حرج أو تأجيل.

وأشارت الدراسة إلى أن تعاطف الآباء يكون له أثر إيجابي على الطفل أكثر من المعيشة في بيئة آمنة وحي هادئ خالٍ من العنف، وأيضاً أكثر من تناول وجبات صحية متوازنة، ما يؤكد أن توفير الجو النفسي المناسب للطفل أكثر أهمية من توفير مستوى أعلى من المعيشة أو العناية بصحة الطفل العضوية، ما ينعكس بالإيجاب على أدائهم الدراسي. ووجدت الدراسة أن الأطفال الذين يتمتعون بعلاقة حميمة مع الآباء كانوا أقدر 6 أضعاف من زملائهم الآخرين على القيام بالواجبات المدرسية المنزلية، وأيضاً كانوا أكثر اهتماماً بالمدرسة بالنسبة نفسها مقارنة بالأقران.

وجمع الباحثون بيانات 65 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين السادسة والسابعة عشرة في العام الدراسي 2011/ 2012 عبر عدة ولايات أميركية، وتبين أن الطفولة التعيسة (adverse childhood) وفقدان التواصل مع الآباء يؤدي إلى عدم التركيز في الفصل الدراسي، وأنها أثرت بشدة على الأداء الدراسي. وكان هذا التأثير أكثر وضوحاً من عوامل أخرى لا تقل أهمية، مثل العنف في الجوار وضعف المستوى الاقتصادي وكذلك إدمان المواد المخدرة والكحوليات أو حدوث مرض نفسي لأحد أفراد الأسرة، وحتى حدوث حالة وفاة أو الطلاق بين الأبوين، ما دام كان أحدهما قريباً من الطفل.

والأسوأ من ذلك أن الأداء الدراسي يزداد تدهوراً مع وجود عامل إضافي من هذه العوامل السابق ذكرها، إذ تبين أن الطفل الذي يعاني من وجود 4 أو أكثر من هذه العوامل مجتمعة يكون أكثر عرضة من أقرانه لعدم النجاح وإعادة العام الدراسي بنسبة 3 أضعاف زملائه الطبيعيين، كما أنه يكون عرضة أكثر لعدم الاهتمام بالمدرسة بنسبة تبلغ 3 أضعاف الأقران، وأيضاً يكون عرضة لإهمال الواجب المنزلي وعدم تأديته بالشكل الصحيح بنسبة تبلغ 4 أضعاف الآخرين، وهو الأمر الذي يزيد من فشله الدراسي وعدم التركيز الذي يؤدي إلى مزيد من الفشل، وهكذا.

وفي المقابل، وجد الباحثون أن مجرد التشجيع من الآباء والدعم النفسي والاحتواء كل ذلك قادر على حث الطفل على تحمل الأعباء النفسية الأخرى وتغلبه عليها من فقر وعنف وأحداث مأساوية، ويكون التركيز في الفصل الدراسي والتحصيل الجيد نوعاً من طوق النجاة من الظروف المحيطة ما دامت الرعاية النفسية الجيدة متوفرة بالمنزل التي تقوم بموازنة البيئة الخارجية، كما أن الاهتمام من الآباء أو على الأقل أحدهما (حتى لو لم يكن أحد الأبوين صاحب الدعم النفسي مقيماً في المنزل نفسه ولكن بالجوار فقط)، يكون ضمانة للنجاح ويزيد من فرص الأطفال في عدم إعادة العام الدراسي بنسبة الضعف.

وأوضحت الدراسة أن أبسط الأمور التي تتشارك فيها الأسرة مع الطفل يمكن أن تحدث فارقاً ملموساً. وعلى سبيل المثال، فإن مجرد تناول 5 وجبات منزلية أو أكثر معاً فقط في الأسبوع يمكن أن يزيد من أداء الطالب واجباته المنزلية بمقدار الثلث، كما يزيد الاهتمام بأمور المدرسة، فضلاً عن أن الحديث، أياً كان موضوعه، على مائدة الطعام من شأنه أن يؤدي كذلك إلى تحسين الأداء الدراسي، وأنه لا يوجد وجه لمقارنة تأثير الآباء بأي عامل آخر في تحسين الأداء الدراسي. وعلى سبيل المثال شكلت نسبة البيئة الهادئة الآمنة مجرد 85 في المائة من عامل تأثير الآباء.

ونصحت الدراسة الآباء والمتعاملين مع الأطفال بضرورة الاهتمام بالإصغاء وعدم التعالي على مشكلات الأطفال البسيطة وإظهار الحب والدعم النفسي كلما أمكنهم ذلك ولا يشترط وجودهم الدائم ولكن تشترط المشاركة الوجدانية، حيث وجدت الدراسة أن المدرس أو مدرب النادي الذي يبدي اهتماماً أو تربطه علاقة صداقة بالأطفال يمكن أن يلعب دوراً في حمايتهم من إدمان المواد المخدرة. وحذرت الدراسة من أن التعامل مع الأطفال كقاصرين يؤدي إلى نتائج سلبية، بل يجب التعامل معهم على أنهم أشخاص بالغون لديهم مشكلات تتم مناقشتها بجدية والعمل على حلها وتجاذب أطراف الحديث معهم من دون استهانة أو سخرية، وأن الحب والدعم النفسي يكونان بمثابة العلاج المجاني

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد