كمال السعيدي
نشر أحد الأصدقاء على حائطه تدوينة يقول فيها أن السواد الأعظم من فئة الأطباء هم أبناء عاهرات (ق) محملا إياهم كل مشاكل قطاع الصحة، ترددت في التعليق على منشوره من أجل توضيح أن النقد بهذه الطريقة لا يعالج مشكلا و لا يقرب وجهات نظر، لكن منعني من ذلك كون الكثيرين وجدوا ضالتهم في هذه التدوينة فانهالوا عليها إعجابا و تعليقا و منهم من طالب بإضافة فئات أخرى مثل المحامين و باقي المهن الحرة !.
رغم تفاهة التدوينة و تحاملها و شعبوية أغلب التعليقات عليها ( علما أن هذا النوع من الأحكام غالبا ما يطال الجميع من رجال التعليم إلى الصحافة إلى مهن الأمن و القضاء و غيرها )، وجدتني مع ذلك أحاول أن أجد لها مبررا ما أو أستخرج من خلالها شيئا يفسر هذا الموقف من مهن كانت إلى وقت قريب تحضى بالإحترام و أصحابها بمكانة اجتماعية معتبرة بغض النظر عن الجانب المادي الدي يتوفر لهم منها خاصة و أنهم يمثلون نخبة من الأطر الوطنية الجامعية و عالية التكوين و التي تساهم في إسداء خدمات مهمة للوطن و المواطن
فأين الخلل ؟
أعتقد أنه يمكن الإقتراب من فهم هذا التحول في نظرة البعض إلى مهنة كانت دوما ترمز إلى النبل و معنى التفاني في خدمة الناس من خلال التعامل على الأقل مع هذه المستويات :
1.كل المهن شريفة و لكن ليس كل المهنيين شرفاء . يوجد دائما من يسيء إلى مهنته من خلال بعض الممارسات المشينة و عدم احترامه للواجب و للإلتزام بالمقتضيات القانونية و الظوابط الأخلاقية التي تشكل البوصلة في علاقته كمهني مع الدين يلجؤون إليه طلبا في خدماته .
ليس علينا إنكار أن هناك أطباء لا يحترمون الضمير المهني و لا يرون أحيانا في مرضاهم إلا مجرد مصدر دخل يؤمنون به متطلبات حياتهم، و ليس على الطبيب في القطاع الخاص أن يقدم خدماته بالمجان و لكن عليه أن لا يبالغ في تحديد واجب الأتعاب و أن يأخد قدر الممكن بعين الإعتبار الوضع الإجتماعي للمرضي الدين يقصدونه من أجل التطبيب، كما على طبيب القطاع العام أن لا يلجأ إلى ابتزاز المرضى الدين يقصدون المستشفيات العمومية و يحولهم إلى العيادات الخاصة لغرض الربح الشخصي . بمعنى أن مهنة الطب يجب أن تبقى مهنة إنسانية قبل كل شيء .
2. لا يجب أن يتحمل الطبيب لوحده هذا التراجع الذي يعرفه قطاع الصحة، خاصة و أنه غالبا ما يكون هو نفسه أحد ضحاياه و ليس دائما من المستفيدين منه ، فأغلب أطباء القطاع العام لا يحصلون على أجر يليق بالخدمات التي يقدمونها و لا بالمسار الدراسي المتعب و الطويل الذي يسبق ولوجهم للمهنة و أغلب أطباء القطاع الخاص لا يتوفرون لا على تغطية صحية و لا على تقاعد يؤمن حياتهم و ذويهم بعد توقف نشاطهم المهني ..
إن تخلي الدولة عن إلتزاماتها الإجتماعية في هذا القطاع الحيوي و سعيها نحو تحريره و خصخصة خدماته، جعلت كل مهنيي الصحة و ليس الطبيب وحده في مواجهة المتطلبات المتزايدة للمواطنين في إطار العجز الحكومي عن الإستجابة لها و أحيانا في حدودها الدنيا ، فيحدث أن يتم تأليب المواطن على هؤلاء المهنيين و تحميلهم ظلما هده الحالة من تردي الخدمات التي يعرفها القطاع بسبب الإكتضاض و نقص الموارد .
على المواطن أن يعرف أن الطبيب هو في النهاية مواطن مثله يمشي في الأسواق و يأخذ الأبناء إلى المدارس و يكد من أجل الحصول على ما يعيل به أسرته و يستجيب به لمطلباتها المادية و المعنوية و أن ليس كل طبيب هو ثري و غني بالضرورة و أن مشاكل قطاع الصحة هي في الأول و الأخير من اختصاص الدولة و الحكومة و الوازرة الوصية ، بمعنى أن مشاكل الصحة هي قضية عدالة اجتماعية و قضية سياسية بامتياز و ليست مجرد نتيجة لتهاون هذا الطبيب في القيام بعمله أو سوء معاملة هذا الآخر للناس أو فساد أخلاقه .
3. ليس على الطبيب،كما المحامي (و غيرهما من أطر الطبقات المتوسطة) أن يعيش بعيدا عن الناس في برجه العاجي المتوهم فهو في النهاية ليس إلا مواطنا مثل الجميع يقدم خدمات للناس و يحصل على أخرى من غيره و أن يعي أنه لا توجد مهنة أشرف من أخرى .
ليس على هؤلاء أن يفكروا في حياتهم و مصالحهم بمعزل عن الباقي ، لأن الناس لا تعيش في الوطن الواحد في گيتوهات متفرقة ، فالمصالح الحقيقية و المشروعة متشابكة و غالبا ما تكون هناك الحاجة لنوع من التوازن بينها حتى لا يسود نوع من الحقد غير الضروري بين أبناء الوطن الواحد و تذكيه الفوارق الإجتماعية و التعالي على الناس على هؤلاء أن ينخرطوا في النضال من أجل المجتمع الدي يسع الجميع و يضمن للجميع فرص العيش الكريم و العدالة و المساواة .. لأنه لا يمكن حصر الحياة الإجتماعية في لحظة مهنية و لأن المجتمع الديمقراطي وحده الدي يضمن لهم أن يستمر احترام الناس لهم و لمهنهم الشريفة ..