لندن :حسن السوسي محلل سياسي
حاولت ان اعرف ما هو تحليل بعض العرب حول الاتفاق النووي الإيراني الدولي، فلم أهتد، فعلا، الى هذه المعرفة. ذلك ان هذا البعض كان قد راهن على فشل المفاوضات، مع الدول الست المكلفة بمتابعة مسألة البرنامج النووي مع ايران. وقام الرهان على ان الولايات المتحدة الامريكية لن تقبل بأي اتفاق لا يعني استسلام ايران لمطالب الغرب الأساسية. بل ان البعض قد راهن على موقف فرنسي معاد لأي اتفاق عندما تمت ملاحظة ان الاتجاه السائد في المفاوضات هو التوصل الى اتفاق تاريخي حول البرنامج النووي الإيراني. ولا يمكن ان ننسى ان البعض قد راهن، بهذه الدرجة او تلك، على الموقف الاسرائيلي سواء عن طريق الضغط على الولايات المتحدة والغرب لإفشال مساعي التوصل الى اتفاق، او عن طريق تدخل عسكري إسرائيلي يستهدف المحطات النووية الإيرانية ويفشل، بالتالي، هذه المفاوضات من خلال تدمير موضوعها بالذات.
غير ان الرهانات هذه كلها لم تحل دون التوصل الى اتفاق. وما تم الإعلان عنه حتى ولول البعض ورفع عقيرته في وجه واشنطن التي خانت مواقفها وتخلت عن التزاماتها تجاه البعض من حلفائها، ولم يخفوا ذعرهم من صعود القوة الإيرانية وتزايد تهديداتها لأمن المنطقة فلجأوا الى واشنطن بحثا عن التطمينات.
غير ان هذا البعض لم يتردد في الحديث أيضاً، عن الهزيمة النووية الإيرانية ( يا للعجب!!) والعمل على التقليل من الإنجاز الذي شكله الاتفاق حول البرنامج النووي. ولم ينس هؤلاء مؤاخذة طهران على ما أسموه مصالحتها مع الشيطان الأكبر معتبرين ان هذا شأن كل الشياطين الصغار، اما ازالة شعارات الموت لأمريكا ولاسرائيل من بعض المساجد الإيرانية، فقد تم النظر اليها على انها استسلام ما بعده استسلام للإملاءات الأمريكية الى درجة يخيل فيها للبعض ان من ينتقدون هذا السلوك الإيراني هم أعداء وجوديون لأمريكا، في حين بعضهم لا يكف عن التسبيح بحمدها ليلا ونهارا وسرا وعلانية ولا يخطبون الا ودها دائماً وأبدا. .
فكيف يمكن لي ان افهم كل هذه الطلاسم مع ان السؤال المطروح هو اذا كانت طهران قد استسلمت لإرادة الغرب فان لم تفعل الا ان قلدت بعض حلفاء او اتباع الغرب، وهذا امر ينبغي ان يكون محمودا للالتقاء الجميع في الموقع ذاته من قطب الجذب الامريكي.
وإذا كانت ايران قد حققت مكسبا سياسيا او اقتصاديا او عسكريا، فان المطلوب هو دراسة السلوك الإيراني طوال ايام الحصار والعزل السياسي الذي تعرضت له طهران وكيف استطاعت ان تؤثر في اتجاهات السياسات الغربية التي قطعت مسافات نوعية في الاقتراب منها بعد ان نبذتها واعتبرتها إدارات أمريكية ضمن قوى الشر في العالم. اذ المهم هو استخلاص العبر وليس لعن الواقع الذي لم يتلاءم مع الرغبات.
المهم ان ان يكون هؤلاء العرب منطقيين مع أنفسهم سواء في اعتماد فرضية الهزيمة الإيرانية او فرضية تحقيقها لمكاسب هامة حتى لا نقول الانتصار الذي يرعب البعض. فكل فرضية تعني تحديد سلوك متميز ومخالف بعضه للبعض الآخر
اما الحالة التي هم عليها فلا يمكن ان تثير حتى الشفقة، لانها شعور نبيل يليق فقط بمن حاول ان يفعل ما هو جيد، غير انه اخفق في مسعاه اما من تخلى عن زمام قضاياه لغيره فالسخرية منه أولى.