اللجوء من الموت الى الموت: مهزلة العالم الأخلاقية الدولة الآمنة حق أصبح واجب النقاش والتنفيذ

الشبكة الدولية للحقوق والتنمية : اللجوء من الموت ا 
تعيش البشرية جمعاء أزمة أخلاقية وحالة عجز تقترب إلى الشلل النصفي في التعامل مع مشكلة اللاجئين، التي تتفاقم يوماً بعد يوم ويطغي عليها المزيد من التعقيدات والتهرب من المسؤولية الجماعية.

إن الشبكة الدولية للحقوق والتنمية (GNRD) إذ تستحضر مآسي اللجوء الفلسطيني وحالة العجز الدولي التي تجلت في مخيمات بائسة وتكتلات بشرية بلا أمل أو مستقبل، وإذ تذكّر بأكثر من (147) مخيماً للاجئين تنتشر حول العالم وتعيش على الإستجداء والتوسل اليومي في ظل وجود أكثر من (60) مليون لاجئ حول العالم بلا وطن وحوالي (50) مليون مشرد داخلي، تعيد إلى الأذهان النداء الدولي الصادر عنها في السابع والعشرين من آب/أغسطس 2011، والذي حذرت فيه من عواقب الأزمة السورية على العالم عموماً وعلى أوروبا ودول الجوار خصوصاً، كما حذّرت أيضاً من أن المراهقة السياسية في الأزمة السورية والذهاب بعيداً سيضع القارة الأوروبية، التي لا تبتعد حدودها أكثر من (1000) كم عن سوريا، أمام أزمات لن تقوى دولها على تحمل تبعاتها.

وأمام واحدة من أبشع مشاهد العجز الإنساني، يغرق الأبرياء في البحر أو يتم إغراقهم ويموتون اختناقاً في شاحنات تجار البشر، ويتعرضون للذل والإهانة على أبواب حدود مغلقة واستغلال جنسي على يد تجار الدعارة، واستعباد على يد الإرهابيين ومجرمي الحرب، والبقية منهم أصبحوا أحياء مدفونين في معسكرات العزل الجماعي التي تبرهن عن الوجه الحقيقي لدول تفعل عكس ما تنادي به.

إننا أمام بشر وحالة إنسانية صادمة لأناس يخوضون رحلة شاقة للهروب من الموت إلى الموت وسط حياة أصبحت لا تطاق، وعالم أصبح بمثابة سجن كبير لأنفاس الهواء التي تبقت لهم. كل ساعة تمر عليهم تعني المزيد من الألم، وكل شيء في طريقهم أصبح موجعاً. ترى في وجوه أطفالهم ابتسامات القهر وفي أجسادهم طعنات الإنسانية التي احتلت جوارحهم وتمثلت في ألم ومعاناة. فقدوا كل شيء خلفهم وتحطم طموحهم البسيط في حياة آمنة من القهر والظلم، يهربون في الظلام والبرد والحر وبين الغابات والأمواج وأيدي لا ترحم، ويفتحون عيونهم على هواء ونور وبنادق تُصوب إلى رؤوسهم وجثث أبنائهم وأحبائهم تطوف بجوارهم تتقاذفها الأمواج ولا يشعرون بجراحهم أو مكان وجودهم. يجبرون أنفسهم على فن التسامح والإستجداء وتقبل اللاإنسانية بمنطق الهدوء.

أكبر آمالهم تتمثل في ابتسامة تمسح عنهم إرهاق اجتياز المسافات، وتنسيهم خوف الطريق واختراق حواجز الصراع والموت. ومن هؤلاء من قبل أن يزوج ابنته قاصراً خوفاً عليها من وحوش الطريق المتمثلة في بشر فقدوا إنسانيتهم، ومنهم من قبل بيع إبنه ليضمن له حياة آمنة وليستعين بالثمن على رحلة الموت. مجموعات بشرية فرّت من وحشية لا تطاق وتتنافس فيما بينها على مهارات البقاء على قيد الحياة. مأساة قاسية تبكي الزهور والحجر، ليصلوا أخيراً أمواتاً أو يجدوا استقبالاً ينزع عنهم إنسانيتهم، ويزرع فيهم تبعات طويلة الأجل وصدمة كبيرة في أوروبا الحرة الديمقراطية الإنسانية، ليعيشوا واقع الفجوة الكبيرة بين الأقوال والأفعال وحقيقة ما هو معلن وما هو واقع في ظل قوانين لا إنسانية صُممت خصيصاً لكسر الإرادة وتحطيم الآمال في النجاة، وبرهنت على الهروب الجماعي من المسؤولية الجماعية.

إن الشبكة الدولية للحقوق والتنمية تدرس منذ ثلاثة أعوام وبتعمق المواقف الوطنية لكل الدول الأوروبية من قضية اللاجئين، كما تعمقت أكثر في مواقف كل الأحزاب السياسية والرأي العام للمجتمعات، وتابعت بتمعن دقيق كل الخطوات الحكومية الفردية والجماعية. ويؤسفنا أن نعلن أننا توصلنا إلى نتيجة تتمثل (بعدم قدرة ورغبة المجتمعات الأوروبية في استقبال المزيد من اللاجئين، وعدم وجود نوايا حقيقية للتعامل مع الأزمة وسط ضغوط مختلفة تتمثل في الخوف على تشكيل الهوية الأوروبية والعرقية والدينية والعنصرية أحياناً، والأزمات الاقتصادية، وتقاذف المسؤوليات، والخوف من المجهول وانتقال الإرهاب … الخ) ولا ينتج عن كل اجتماع لتدارس الأزمة سوى أزمة جديده.

وفيما تثمّن الشبكة الدولية للحقوق والتنمية الخطوات المتقدمة في الفترة الأخيرة للجمهورية الألمانية، فإنها تدرك في الوقت نفسه الصعوبات المستقبلية التي يواجهها اللاجئون، وتأخذ بعين الإعتبار الفشل الحقيقي المسجّل في برامج الإندماج في أوروبا والمعيقات في تقبل الآخر، وتؤكد على أن الأنظمة السياسية في أوروبا تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية في أماكن الصراع، من خلال سياسات غير حكيمة أدت لخروج الأمور عن السيطرة.

وإذ تستقرئ الشبكة الدولية التلاعب السياسي الخطير من قبل دول أخرى بورقة اللاجئين لممارسة الضغوط على أوروبا من أجل تحقيق غايات سياسية تتمثل في أطماع جغرافية تحت مسميات إنسانية، مثل المناطق الآمنة وغيرها من المسميات، وإذ تتفهم نفاد طاقة دول الجوار على استقبال المزيد في ظل التنصل الدولي، فإنها تؤكد على حقيقة الهروب الجماعي من المسؤولية المالية والأخلاقية والإنسانية، وانهيار قدرة المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في مواجهة الأزمة، وتقدّر أننا أمام المأساة الأكبر في التاريخ الإنساني المعاصر.

واستناداً إلى ذلك، تطلق الشبكة الدولية للحقوق والتنمية نداءها الدولي لمواجهة الحقائق على الأرض من أجل الحفاظ على قيمنا الإنسانية، والبحث عن حل جاد للمشكلة ولو كان خارج المألوف. وتدعو دول العالم، إن كانت غير قادرة على استيعاب المزيد وعاجزة عن حل المشاكل السياسية في مناطق النزاع وسط إرادة دولية هشة ومخاوف على التكوينات الوطنية، إلى البدء الفوري في مناقشة إقامة دولة خاصة باللاجئين، والاتفاق على الترتيبات الخاصة بمكانها واداراتها وتمويلها، وجعلها نموذجاً لإعادة التأهيل وبناء الإنسان، ومكاناً تلتقي فيه الإرادة الدولية بعيداً عن المخاوف والصراعات المرتبطة بحسابات وطنية ومخاوف ضياع الهوية.

إن الشبكة الدولية للحقوق والتنميةإذ تحث دول وزعماء العالم وهيئات الأمم المتحدة على نقاش دعوتها بشكل جدي وسط غياب الحلول وطول أمد النزاعات التي لا يمكن أن ترهن مصير البشر وتطورهم وممارستهم لإنسانيتهم في ظروف غير إنسانية، تشدد على ضرورة وجود تلك الدولة الآمنة التي تهيئ أولئك الأبرياء للعودة إلى أوطانهم وإعادة بنائها ومدهم بالأمل اللازم لممارسة الحق في الحياة الكريمة.

 

 

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد