بقلم: د يونس إمغران
كنا خائفين من عودة رونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، لأن الرجل يمارس السياسة بكل معاني الحمق والتهور والسفه والغباء.
لكننا أيضا لم نكن نرغب في فوز كامالا هاريس، وعدم رغبتنا هذه لم يكن مبعثها أن المرأة أكثر من ترامب خشونة وعدوانية ووحشية وغباءً، ولكن لأنها لن تكون إلا دمية بيد من يحيط بها من صقور الحزب الديموقراطي.
غير أن أغلب الذين كانوا يترقبون نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لم ينتبهوا إلى نقطة جوهرية في التاريخ الرئاسي للولايات المتحدة الأمريكية، وهي أنه من الاستحالة المطلقة أن تفوز امرأة ما بسطوة البيت الأبيض وهيبته !!!
نعم قد يفوز زنجي وصاحب بشرة سوداء بالحكم ويساهم في صناعة القرار السياسي الأمريكي، لكن أن تفوز امرأة بالسلطة في أمريكا الأبوية؟ فهذا هو المستحيل بذاته وصفاته وشكله ونوعه ولونه.
كذلك نقول: نعم يمكن أن تنافس المرأة على الرئاسة في أمريكا، وقد تصل في وسائل الإعلام المختلفة والمواقع الإلكترونية إلى الخط النهائي للبيت الأبيض، بل وقد تُعلن بعض الجهات فوزها بالانتخابات الرئاسية في الساعة 23.59 ليلا، لكن عندما ستدق الساعة 00.00 سيُعلن عن فوز ذَكَر البط بكرسي الحكم.
إنها الولايات المتحدة الأمريكية التي تؤمن بالمرأة في الحكومة والبرلمان والقضاء والإعلام والعسكر، وتؤمن بها في كل المواقع اجتماعية أو فنية أو علمية، وتكفر بها في الرئاسة.
لذلك نقول: مخطئ من كان يراهن على فوز كامالا هاريس أمام رونالد ترامب. كما أعجب لمن كان ينتظر فوزها في وقت لم تتمكن فيه – حتى – هيلاري كلينتون – وهي أقوى من زميلتها الديموقراطية هاريس وأكثر حنكة وخبرة في السياسة والمناورة والمشاركة في السلطة – من التغلب على خصمها ترامب.
تأملوا جيدا: 59 ولاية رئاسية أمريكية لم يفز بها إلا الذكر بن الذكر؛
أي 236 سنة (منها 4 سنوات ترامبية قادمة) مرت والمرأة غائبة عن التواجد بدائرة التخطيط السياسي والاستراتيجي لدولة أمريكا “العظمى”. ثم يأتي معتوه من بني جلدتنا ويقول لنا: إن الفقه السياسي الإسلامي لا يمنح للمرأة حق “الاستفراد” والوصول إلى السلطة والحكم سواء بالبيعة أو بالانتخابات الرئاسية.
نحن نتحدث عن أمريكا باعتبارها النموذج الغربي المتفوق والممثل الشرعي للصليبية في الدين والسياسة (لا قيمة للفاتيكان أمام التدبير الديني الأمريكي)، ولا نتحدث عن أوروبا التي مكنت المرأة من سدة الحكم في بعض بلدانها، ولكن في الحدود الدنيا، ووفق نسبة مئوية غير مرئية، وفي صورة لم ترق إلى المطلوب والمحمود والمرضي. بل إن هذه الصورة لن تتشكل في لوحة سياسية بخطوط ريشية واضحة ولو حاولت أوروبا إنجازها سنة 4000 ميلادية.
الغرب منافق في كل شيء:
في السياسة والوطنية؛
وفي “الديموقراطية” وحقوق الإنسان؛
وفي قضايا المرأة والنوع الاجتماعي (الجندر)؛
وفي الحرب والتسليح والانقلابات والسلم؛
وفي التخريب والتدمير والبناء؛
وفي ضبط النفس والدفاع عن النفس؛
وفي الاقتصاد والتجارة والعلاقات الدولية؛
وفي الدين وحرية العقيدة.
السؤال اليوم ليس هو: ماذا سيفعل رونالد ترامب في ولايته الثانية من حكم أمريكا؟ فهذا سؤال جوابه معروف للجميع، سواء للذي خَبِر سلوك أمريكا السياسي وانشغل به، أو لمن لا يعي جيدا السياسة في عمومها وتقلباتها وتحولاتها الهادئة والدرامية. وإنما السؤال هو: كم من حاكم عربي سيخضع لنزوات ترامب وتهوره ويستجيب لأوامره ويمنحه المال والأرض والاستسلام والدنية؟.
من جهتنا نرى أن رونالد ترامب سيجعل أربع سنوات من حكمه تحت قوانين الحمق السياسي، وسيدمر العالم شرقا وغربا بعد أن يدمر أمريكا وحلفاءه الأوربيين الصليبيين.
…….
﴿ لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [سورة آل عمران: 28].