بقلم :نور الدين طاهري
تعتبر مدينة أبركان من المدن المغربية ذات التاريخ الثقافي العريق، حيث شكّلت نقطة انطلاق للعديد من الأدباء والمبدعين الذين ساهموا في إثراء الأدب المحلي والدولي. ومع ذلك، يُلاحظ في معارض الكتب التي تقام بالمدينة غياب ملحوظ لكتب أدباء المهجر من أبناء أبركان، وهو أمر يثير التساؤلات حول أسباب هذا الغياب وتأثيره على المشهد الثقافي.
معارض الكتب في أبركان: فرصة ضائعة لأدباء المهجر
تُعد معارض الكتب التي تُنظّم في أبركان مناسبات هامة للاطلاع على آخر الإصدارات الأدبية وتعزيز الروابط الثقافية بين الأجيال المختلفة. تُقدّم هذه المعارض منصة للمؤلفين المحليين لعرض أعمالهم، وتتيح للجمهور فرصة اقتناء كتبهم والتفاعل معهم بشكل مباشر. ومع ذلك، تبقى كتب أبناء المهجر من أبركان، الذين هاجروا إلى الخارج وأبدعوا في أدب المهجر، غائبة عن هذه المناسبات الثقافية الهامة.
إن غياب كتب المهجر في معارض أبركان يُفقد المشهد الأدبي التنوع والغنى الذي كان يمكن أن تُقدمه تلك الأعمال التي تجمع بين تجربة الهجرة والحنين إلى الوطن. أدب المهجر ليس مجرد كتابة عن الهجرة والغربة، بل هو تجربة إنسانية فريدة تعكس الصراع الداخلي بين الثقافات والمجتمعات، وتعبر عن هوية مشتتة بين المكانين. في ظل هذا الغياب، يخسر القراء فرصة الاطلاع على تلك التجارب الأدبية التي تجسد معاناة أبناء أبركان في الخارج وتطلعاتهم.
أسباب الغياب: بين التهميش وقلة التواصل
يعود غياب كتب أدباء المهجر المنتمين إلى أبركان في المعارض المحلية إلى عدة أسباب. من أبرزها التواصل الضعيف بين هؤلاء الأدباء والمؤسسات الثقافية المحلية. على الرغم من أن العديد منهم حققوا نجاحات كبيرة في الخارج، إلا أن غياب قنوات اتصال فعالة مع مدينة أبركان يجعل من الصعب عليهم المشاركة بأعمالهم في الفعاليات المحلية. دور النشر والمؤسسات الثقافية في المدينة غالبا ما تكون محدودة في إمكانياتها وتحتاج إلى استراتيجيات أوسع للتواصل مع أبناء الجالية المغربية في الخارج.
كذلك، يعاني بعض أدباء المهجر من التهميش، حيث يتم تجاهل إبداعاتهم أو عدم اعتبارها جزءا من الأدب المحلي نظرًا لبعدهم الجغرافي عن المدينة. وهذا يؤدي إلى شعور بالانفصال لدى هؤلاء الأدباء، مما يقلل من حماسهم للمشاركة في الأنشطة الثقافية المحلية.
إضافة إلى ذلك، البيروقراطية وتعقيدات التنسيق بين المؤسسات الثقافية داخل أبركان وأبناء المدينة في المهجر تعيق وصول تلك الإبداعات إلى المعارض. كما أن غياب منصات رقمية أو افتراضية تربط بين المؤلفين والمدينة يعزز هذا الانفصال.
تأثير غياب أدب المهجر على المشهد الثقافي في أبركان
يُشكّل غياب كتب المهجر في معارض أبركان خسارة مزدوجة. من جهة، يخسر القارئ فرصة التعرف على تجارب أدبية ثرية تُعالج مواضيع الهجرة، الاغتراب، والهوية المزدوجة. ومن جهة أخرى، يفتقد أدباء المهجر إلى فضاء ثقافي يعيد ربطهم بجذورهم، ويعطيهم الفرصة للتفاعل مع جمهورهم الأصلي.
أدب المهجر، بنظرته الفريدة إلى العالم وما يحمله من تناقضات نفسية واجتماعية، يمكن أن يثري المشهد الثقافي في أبركان بشكل كبير. فهو يُقدّم رؤى جديدة للحياة والثقافة المغربية من زاوية خارجية، ويعكس كيف أن أبناء المدينة، رغم بعدهم الجغرافي، يظلّون مرتبطين بوطنهم وقضاياه. هذا النوع من الأدب يمكن أن يكون جسرا يربط بين أبركان والمهجر، ويعزز التفاهم بين الثقافات.
نحو تواصل أفضل: حلول لتعزيز حضور أدباء المهجر
لحل هذه الفجوة الثقافية، يجب على المؤسسات الثقافية في أبركان أن تُعزز من تواصلها مع أدباء المهجر، وأن تعمل على إدراج كتبهم ضمن برامج المعارض المحلية. يمكن تحقيق ذلك من خلال عدة خطوات:
- تنظيم فعاليات مشتركة تجمع بين الأدباء المحليين والمغتربين، سواء بشكل حضوري أو افتراضي، لتبادل الأفكار وفتح قنوات حوار بين الثقافتين.
- التنسيق مع دور النشر الدولية: تفعيل شراكات مع دور نشر أجنبية تُعنى بإصدارات أدباء المهجر وتسهيل وصول تلك الكتب إلى أبركان.
- إطلاق منصات إلكترونية تُتيح لأدباء المهجر عرض أعمالهم للجمهور المحلي، وتتيح للقراء من داخل المدينة اقتناء كتبهم إلكترونيًا.
- تشجيع الترجمة: يمكن للمؤسسات الثقافية دعم مشاريع ترجمة الكتب الصادرة عن أبناء أبركان في الخارج إلى العربية، إن كانت مكتوبة بلغات أخرى، لتصل إلى جمهور أوسع في المدينة.
إن غياب كتب أدباء المهجر المنتمين إلى أبركان عن معارض الكتب المحلية يُمثل فجوة ثقافية يجب معالجتها. في ظل التحديات التي تواجه هؤلاء الأدباء، يبقى الحل الأمثل هو تعزيز التواصل بين الجانبين وتقديم الفرص لهؤلاء المبدعين ليعرضوا تجاربهم في مدينتهم الأم. فتح الأبواب أمام أدب المهجر سيعيد للأدب في أبركان بريقه، وسيكون بمثابة جسر يربط بين الماضي والحاضر، وبين الوطن وأبنائه في المهجر