حمزة رويجع
الموسيقى شكلت منذ الأزل إحدى تجليات الإنفتاح و التعايش بين الحضارات، و كذا موروثا شفهيا و موسيقيا متوارثا بين الأجيال و الحقب التاريخية، فاليوم و بمغرب العهد الجديد لم تعد تخلوا كل عاصمة من أقاليم المملكة عن مهرجان سنوي يميزها، فالموسيقى تهذب الذوق و تنمي الحس الجمالي للفرد خاصة و المجتمع عامة، عوض الإنغماس في التشدد المفضي لمظاهر الغلو و التطرف من تنامي للجريمة، الجديدة بدورها و مع حلول معاذ الجامعي عاملا على إقليمها، تميزت بمهرجان جوهرة الذي أكمل اليوم نصف عقد من الزمن، خمس سنوات مع حصيلة لا أود تلخيصها في أرقام لها من الأهمية بمكان، من حيث عدد الجمهور الذي فاق نصف مليون هذه السنة، أو من عدد و نوعية المطربين، أو حتى الأنشطة الموازية، لكن التساؤل الذي قد يحمله كل مهتم و متتبع للشأن العام المحلي، هو أي قيمة مضافة أعطى مهرجان جوهرة للجديدة و لإقليمها بعد خمس سنوات ؟
أسيل مداد كثير من الإنتقادات منذ بداية المهرجان، حول ما الجدوى من تنظيم تظاهرة بهذا الحجم لمدة ثلاثة أيام ؟ أليس الأجدر أن تخصص هذه الأموال لتأهيل البنية التحتية و توفير مرافق ثقافية دائمة ؟، فكانت الأجوبة واضحة هي أن مصادر تمويل المهرجان هي من قبل المستشهرين، و لا علاقة للمؤسسات المنتخبة بالمهرجان أكثر من الدعم المعنوي، رغم ذلك و حسب تصريحات فإن ميزانية المهرجان عرفت تقلصا من دورة الى اخرى، فمن مليار سنتيم ككلفة المهرجان في أولى دوارته الى 600 مليون سنتيم بدورة 2015، أمر إعتبره المنظمون تميزا و تفردا، لكنه ينذر بمستقبل المهرجان، هل هو ترشيد لنفقات المهرجان بما يزيد عن 400 مليون سنتيم ؟ أم تراجع من قيمة دعم المستشهرين أو الداعمين كروطانا مثلا ؟، إذن هي تساؤلات ترتبط أساسا بمدى قدرة المهرجان على الإستمرارية بالسنوات المقبلة، الشيء الذي قد يكون دفع بنبيل كراط مدير المهرجان للتصريح لإحدى المنابر أنه حان الوقت التفكير في طلب الدعم من الدولة، جوهرة اليوم أضحت ملكا للجديدين ككل و لم تعد تظاهرة خاصة لجهة ما، فكل شخص أو مسؤول هو للزوال سائر، لكن تبقى بصماته شاهدة للتاريخ أن أصبح للجديدة محطة سنوية دولية تتغنى بالموسيقى بثلاث منصات بمدن المحيط الأطلسي، اليوم جوهرة هي بحاجة لكل جديدي غيور على مدينته، أقولها اليوم و إن تعارضت مع ما كنت أؤمن به قبل خمس سنوات، على أنها فضاء للميوعة و الإنحلال الأخلاقي، أو أنها مرتع لترويج المخدرات و المشاجرات العنيفة خصوصا بليلة الشاب بلال، أو أنها مضيعة للأموال و مهدمة للقيم و الأخلاق، لا أبدا ليست هذه جوهرة، فأبعاد تنظيم المهرجانات هو إستراتيجي بالأساس تنموي، فالصويرة تعتز بمهرجان كناوة، و مراكش بمهرجان الفيلم، و أكادير بمهرجان تيميتار، و الرباط بمهرجان موازين، و غير ذلك من كبريات المدن.
مهرجان جوهرة اليوم هو بحاجة لوقفة مع ذات، لتقييم حصيلة خمس سنوات، و إستشراف مستقبل العشر السنين المقبلة، عامل الإقليم معاذ الجامعي لا محالة سيذهب و لكن على جوهرة أن تضل محافظة على مكانتها ضمن الساحة الفنية الدولية، على جوهرة أن تتوسع مجالاتها فالكم الهائل من الجمهور الذي تحشده، يمكن أن يسهم في التنمية الإقتصادية من خلال إقامة معرض تجاري موازي “معرض جوهرة التجاري”، يوفر مناصب شغل مؤقتة للطلبة الشباب، و يسهم في الترويج الإقتصادي و بالخصوص الصناعة التقليدية، على جوهرة أن تقدم سهرات مؤدى عنها بأول مسرح بالمغرب “مسرح عفيفي”، تستقطب بها فئة خاصة من الجمهور العاشق للأغنية العربية و المغربية، جوهرة بحاجة لإحدات فضاءات التربية الموسيقية تحمل إسمها، و تضل على مدار السنة منتجة للطاقات الفنية الصاعدة في صفوف الشباب و الأطفال.
إن الفن بتنوعاته و إختلافاته، أضحى يشكل معيارا لإشعاع المدن و الدول، بل أكثر من ذلك مصدرا للدخل و تحقيق تنمية محلية مندمجة، قد نأسف على أن المنتخبين لم يستطيعوا مسايرة و إستغلال الفرص، من خلال تعزيز جمالية المدينة و المحافظة على البيئة، لكن تفنن المنتخب بمنح الرخص الإستغلال الإستثنائية على طول شاطئ دوفيل (بيع كرموس، بيني، حلويات…)، مشهد تنضاف عليه ما يسمى بالعامية “الفراشات” بساحة الحنصالي و الجوار، لم أرغب تلويث هذا المقال بهذه الصور المشينة، لكن هو واقع و الهروب منه محال، إن المجلس الجماعي المنتخب له من الأدوار و السلط الممنوحة له من خلال المشرع، ما أن يقوم بالإسهام في قيادة مبادرات جادة، تجعل من المدينة فضاءا لترسيخ قيم المواطنة الحقة، قد نتفائل أن تنتج لنا الإستحقاقات الجماعية المقبلة مجلسا جماعيا يشتغل وفق برنامج عمل، يأخد بعدا ثقافيا و فنيا، و إن كنت لا أخفيكم أنه مادام نفس الفاعلين السياسيين سيتبارون من جديد، فنسبة الأمل هي قليلة، كون أن منطق التحالفات هو المحدد لست السنوات المقبلة، و ليس عدد المقاعد المحصل عليها لكل حزب سياسي، و للإشارة فيحسب لمهرجان مواهب جوهرة هذه السنة أن أبعد وجوه سياسية شابة، أسالت إنتقادات من طرف مجموعة من الشباب خلال الدورات السابقة.
أعتقد أن وزارة الثقافة هي المعنية أكثر بحمل مشعل مهرجان جوهرة في القادم من السنوات، على أن تشكل دورا محوريا في تجميع كل القوى و التنسيق بين مختلف الجهات المانحة، بالإضافة لتوفير الإمكانيات المادية الذاتية التي تتوفر عليها الوزارة، دون التفريط في الفريق العملي الذي سهر على ولادة هذا المولود، الذي يعيش اليوم فترة الطفولة، بعد خمس سنوات متتالية، جوهرة يجب أن تستمر.