بقلم: يوسف عبود جويعد
ما أن انطلقت الصواريخ الامريكية (( توماهوك)) لتنشر الخراب والدمار ، وتتشظى في كل الاتجاهات ، تثير الخوف ، والفزع ، وتقتل الامان والطمئنينة ، لتحفز الخوف والقلق ، وتقلب نظام الحياة في نفوس الناس ، فيتشظى مقابل هذا البناء المتين الراسخ منذ الاف السنين ، لينطلق صاروخ آخر هو ( توما هوك)) العراقي ،الذي وجد له منفذاً مخترقاً بسبب الانكسارات النفسية والر وحية والانسانية التي حدثت داخل الانسان في هذا البلد ، الا أن هذا الصاروح اي الثاني لم يحدث خراباً ودماراً في الممتلكات ، انما حطم وكسر وشظى البنى التحتية لحضارة امتدت طويلاً ، واستطاع فك الحلقات المترابطة للنظام الاسري ، ثم حلحلة التماسك والترابط الحياتي ((في لحظة خاطفة ، هبط جنح الظلام ، ارتفع بعدها دوي صوت مفزع ، اهتز المنزل ، تحطمت المائدة سمع تكسر الزجاج بوضوح )) ص24 ((نسمع ازيز (( توما هوك )) يعبر من فوق رؤوسنا تتصاعد تمتمة نائمة لاحلام تكتشف اسرار القلق )) ص 23 ((وايقنت ان فوضى الحرب تخلف شهوة لا مسؤولة )) ص29 ففي رواية (( توما هوك )) للروائي صالح جبار خلفاوي نقف امام هذه الحقائق بتناول سردي فني عالي الدقة اذا ان الاحداث المتحركة داخل متن النص كتبت وقد كان الجهد واضحاً فيها اذ أن اللغة التي استخدمت في المبنا السردي غلفت بمراحل ثلاث واقعية الحدث السردي ، فنية الحدث السردي ، ثم بعض الانزياحات التي جاءت بديلة مستخدماً فيها المفردات الشعرية البليغة ذات الرموز والدلالات والايحاءات المختزلة التي تخدم النص ، لتضيف جمالية للثيمة والمسيرة السردية المتنامية ، وتعاقب انطلاق الصواريخ وانفجارها في مراحل مختلفة من فصول الرواية ،تؤكد ان هذه الانفجارات كانت سبباً لانطلاق الصواريخ الاخرى التي سببت شرخا وشدخا وانكساراً وجروح في البنى التحتية للترابط الاسري والحياتي ، فبطل الرواية او الابن ومنذ الوهلة الاولى يزجنا في عملية المقارنة والتحليل وهو يأخذنا معه نبحر بهذه اللغة المتناغمة المنسجمة ، فهو الذي بلغ من العمر سن الاربعين ، والذي طلب منه والده ان يتزوج فرفض ، مما اضطره الى ارساله الى خاله في مدريد ، وكيف انه كان يتسلق الجدار وينزل لسطح الجيران ليشاهد جارته من خلال الثقب وهي عارية في الحمام ، ثم العلاقة الزوجية المفككة بين الاب والام والتي تخون زوجها مع رجل آخر (( حيثما ينتهي ابي، تبتدي امي التي تعمل امينة صندوق في المصرف ، يستهويها رجل وسيم ، تمرر يدها البالية على جبهة الاوراق المغرية ، تتسرب في روحها موجة تحاول اخفاءها ، لكنها تتبدد حينما ترفع بصرها نحو الزبون الذي يكرس لوحه الخشبي في جيب بنطاله ، يطاردها دبيب رغبة مفرطة في اقتناص لحظة موجعة ، لكن ابي المشمئز يفهم سرها الدفين )) ص22 ثم يتزوج الاب بثانية وتلك الزوجة تتعرف على امال التي تمارس معها حالة من حالات الشذوذ لكونها سحاقية ، وتحمل الام حقيبتها وتسافر الى سوريا ، وتنشأ علاقة مع الابن وامال تنغرس في اتون الخطيئة ، هذه العلاقات المتردية هي التي تمثل الصاروخ الثاني الذي اخل في النظم الحياتية (( في يوم الاثنين الماضي عرفت ان امي وابي مطلقان منذ ثلاثة عقود ، لكنهما يعيشان تحت سقف واحد يمارسان اثمهما بدون ارتباطات حياتية مألوفة )) ص25 علاقته مع امال تتواصل ، ويمزج الروائي صالح جبار خلفاوي ، الحرب بواقع الحياة المفككة الهزيلة الحزينة i الكئيبة المتعبة ، ويؤكد كلما توغلنا في سبر اغوار الاحداث السردية تلك العلاقة بين الحرب وتدهور الحياة الاجتماعية داخل البلد ، فقد تفككت نظم الحياة المترابطة المتينة ، وتأثرت العلاقات وتشظت متناثرة نحو كل الاتجاهات ،شأنها شأن صواريخ (( توما هوك )) التي تدمر ، تخرب ، تقتل ، تخيف ، تثير القلق ، وهذا السبب ذاته جعل الحياة تتجه اتجاهات اخرى (( فاحت الارض الساخنة بلوعة المكان ، حيث الالواح الطباشيرية تمتد بتواءم محزن مع اشعة الشمس العمودية ، لتؤثث الارجاء المطمورة بلهب متفجر من السنة الهواء الحار ، احساس النهاية ينتفخ داخل صدري مثل بالون يوشك على الفرقعة )) ص72 كما ان الروائي ترك فصول الرواية منسابة دون ترقيم او عنوان مما اعطاها نوع من التواصل والتمتع ، رواية (( توما هوك)) للروائي صالح جبار خلفاوي تحمل مضموناً يحذرنا ان ننتبه ، ان نعيد حساباتنا ، ان نشد ازرنا ، ان نتماسك وسط فضاء متناغم يدعونا للسباحة او الطيران حيث الاحداث المحتدمة .
تعليقات الزوار