بقلم: حسناء محبوب
مشهد مخيف، دخان يتحرك،غبار يتطاير، أمواج البحرتتصارع بين المد والجزر .وسط هذه الأجواء المرعبة هناك حشد من الناس يهرولون الى بيوتهم بحثا عن الأمان ومخاوفهم تتصاعد وما بقي سوى مملكة الطبيعة متربعة على عرش خيراتها،إنه حلم روادني في ليلة من الليالي قبل ظهوركرونا.
إذا كان الرحالة العالمي “ماجلان” كإنسان جال بحار العالم و مات ،فإن كرونا الفيروس اللاإنساني أيضا جال أجساد وأنفاس انسان هذا العالم،ولم يمت بل هو الذي قتل ، وإضافة إلى الفتك كان وراء إزالة الستار عن مجموعة من الأمور الخفية.
المهم الذي حصل قد حصل وما حصل كشف عن عورة النسيج الإجتماعي الذي كان قد عرف تمزقا على مستوى رحم الأنسجة المغربية بتداخل مجموعة من الأسباب لعل أساسها؛ ظهور التكنولوجيا وتطور وسائل التواصل ، وظهورها تمثل للفرد “المغربي” كقبضة يد طفل لسلاح ذو صنع بلاستيكي مملوء بالماء يضرب في جميع الجوانب؛ ثارة في لأعلى و ثارة في لأسفل…أقصد الإستعمال اللاعقلاني للتكنولوجيا و للعوالم الإفتراضية تحديدا الشيئ الذي كسر بناء ما يسمى بالتلاحم الأسري والإهتمام بالجار و توطيد العلاقات العائلية،هذه الأمور جعلت المغربي يعيد التفكير من جديد في قيمه. بل وحتم عليه أن يعيد التعايش والعيش داخل عش الأسرة ويحي ما كان قد دخل دائرة الإحتضار.لكن كورونا بينت لنا أن زمن الأمس و الماضي غير مرحب به اليوم داخل سقف اليوم والحاضر لأن أحد جدرانه تأكلت بسبب تناول الفرد والمجتمع جرعات زائدة من لقاح العولمة المتوحشة .
كم من أم و أب فرحا بعودة أبنائهما و كم من جد و جدة أسعدا بمجئي بأحفادهما (لزوم البيت)، في حقيقة الواقع عودة الأبناء والأحفاد تشبه لقاء الطفل المتبنى لأمه البيولوجية و محاولة التعارف من جديد.
ها هو الفرد عاد إلى بيته وأسرته فهل تخلص من تبعات العالم الإفتراضي ؟ و هل حاول ترميم جدران الحوار العائلي من جديد؟
يظهر السؤالان على صيغة لإستنكار، غير أني سأجيب بالسلب لا لأن ظاهرة العنف ازدادت خلال هذه الفترة وازداد معها الزحف والهجرة من جديد نحو العوالم الافتراضية.
من جهة أخرى يمكن القول أن الفرد المغربي كان قد بدأ يعيش إيقاعات الفردانية و العزف على أوتارها و محاولة إلقاء بظلال التلاحم و التماسك في رف الأرشيفات، لكن اليوم في زمن كورونا وقف المغربي في موضع إستفهامي، حيرة، تفكير،بحكم أن المجتمع المغربي مجتمع إسلامي تلاحمي في فطرته و في طبيعته كان من الممكن أن يتقبل الحجر الصحي و يتأقلم مع هذه القاعدة،نعم لقد تقبل فكرة الحجر الصحي و المكوث في المنزل لكن حقيقة وشكلا لم يتقبله مما تمخض عن ذلك عنف أسري وعنف نفسي ،و حتى الحجر الصحي تنحدرجذوره من الشريعة لإسلامية،فقد تحدث عنه رسول الأمة صل الله عليه و سلم مند14قرنا ،ظهر غيرمرحب به في ظل هذه الأزمة. حتى أبجديات الطهارة والوضوء والاغتسال و كيفية العطس هي تعاليم أوصى بها الدين الإسلامي تشكل كنزا فطريا يسري في دمائنا .
لكن كورونا كشفت عن جهل المغربي المسلم لهذه القواعد الإسلامية .
أزمة كورونا كانت فرصة لإستقاظ المغربي الغارق في سباته لمراجعة أوراقه المتبعثرة في علاقته مع ذاته و مع غيره، في هذا الصدد يمكن القول أن المغربي ينحدر من بيئة تحمل في جيناتها ثقافة عدم “الإدخار” التي تشتهر بها نملة بني الإسلام داوود عليه افضل الصلاة والسلام،و في مقابل ذالك أبانت كورونا عن ضعف المجتمعات و أخرجتهم إلى طبعهم الأصلي ألا و هو جهل بعض الأمور و أخرج ذالك الذئب الذي ترعرع في بطونهم،وتمظهرت أحد ملامح قانون الغاب و الحديث هنا عن الغلبة للغني والخسارة للفقير حيث إحتكار الطعام و للإستيلاء على المواد الأساسية(غاز البوتان…)
مما يترجم ذوبان و إنصهارو تبخر قيم التضامن و التكافل و تحجروتجمد القلوب .
كورونا و بتزامنها مع المناسبات الدينية ساهمت بشكل جزئي في طمس هويتها، لكن هذا لم يصمد أمام العالم التكنولوجي الذي اعتدنا عليه في كسر حاجز التباعد و تقليص المسافات، لكن هذا اجدى نفعه من خلال تبادل التهاني و التحايا. وفي هذا الصدد يمكن الإشادة بالدور الفعال الذي لعبته وسائل التواصل في التخفيف من تبعات أزمة كورونا و مساهمتها في تقريب الخدمة للمواطن .
المغربي وجد نفسه منحصرا بين ثنائيات: الإحتفال بالمناسبات الدينية و بين الإلتزام بالمكوت في البيت و بين تأدية واجب “العزاء” و المشاركة والحضور لطقوس الدفن و تشييع الجنازة و زيارة المرضى…هذه الثنائيات قسمت المجتمع المغربي إلى فئتين: فىة تعي مخاطر إنتشار المرض و فئة لم تدرك مدى خطورته ذالك معتبرة أن أداء الواجب فوق كل اعتبار “الصواب” “الواجب” فوق كل إعتبار مما أجبر تدخل السلطة .و اعرج بالحديث هنا عن العالم القروي وعلاقته بكورونا و يمكن القول أن بعض القرويين تعاملوا مع المرض كأنه جزء عادي من حياتهم اليومية ويختفون وراء كلمة “المكتاب “شأن ذالك شأن بعص الأحياء الشعبية المتواجدة بالمدن.
شكلت كورونا بالنسبة للعمل الجمعياتي قاطرة عبورنحو إستعادة بريقها و حمل مشعل ممارسة العمل الخيري من جديد، بعدما كانت تلعب الجمعيات أدوارا جد محتشمة قبل كورونا ، بفضل هذه الأزمة تحركت أطراف العمل الجمعوي للإهتمام بالمتشردين و الأشخاص بدون مأوى…كما إنصب اهتمامها على تقديم مساعدات للعالم القروي بشكل مكثف و إن كانت بعض الجمعيات إستغلت هذه الظرفية للظهور في المنابر الإعلامية لكسب المزيد من الشهرة.