ضحالة ايديولوجية وتفاهة سياسية

لندن :حسن السوسي

عندما تجتمع الضحالة الفكرية والأيديولوجية مع التفاهة السياسية، لدى أي كان، فلا ينبغي للمرء تخصي وقت كثير في الرد عليه، لأنه مضيعة للجهد والوقت، في تفنيد سخافات لا تقدم ولا تؤخر. هذا رأيي المتواضع من الضجيج المفتعل حول توشيح جلالة الملك محمد السادس للمقاوم والمناضل المغربي الكبير محمد بنسعيد آيت ايدر.

ولقد اعتبرت هذا التوشيح حدثا نوعيا وتاريخيا كان ينبغي ان يكون موضوع إجماع، بدل ان يكون سببا في استثارة غرائز وهواجس الحقد لدى البعض، مع ان الحدث يعبر بعمق عن بعد نظر الموشح في اختيار من يوشحه بهذا الوسام. كما يعبر، وبعمق أيضاً، عن ادراك الذي تم توشيحه بأبعاد الرسائل القوية التي تحملها هذه المبادرة الملكية من من زاوية العلاقات التاريخية والمستقبلية التي ينبغي ان تكون محط عناية دائمة من قبل رموز النضال الوطني لربط مختلف اجيال النضال الوطني والديمقراطي بعضها بالبعض الآخر، باعتبارها حلقات في سلسلة هذا النضال الذي ينبغي ان يظل معبرا عن التلاحم بينها لخدمة المصالح العليا للبلاد.

ان الملك محمد السادس قد عبر مرة اخرى بهذا الموقف النبيل عن قناعاته الراسخة بانه ملك الجميع وان لديه ما يكفي من التبصر والقدرة، من خلال المسافة التي يحتفظ بها مع كل فرقاء الحياة السياسية المغربية، على الإمساك بالخيط الناظم لمكونات الحياة النضالية للوطنية المغربية التي لا تنال منها تقلبات الحياة السياسية التي تظل في جوهرها عرضية من هذا المنظور التاريخي العميق. وبهذا المعنى فإن توشيح المقاوم محمد بنسعيد هو استمرارية لمعاني النضال الوطني وتكريسها بشكل واضح وصريح في هذا التكريم الذي صدر عن ملك حريص على ربط الماضي بالحاضر في عملية صناعة المستقبل. كما يعني ان قضايا السياسة التي قد تفرق بين مختلف القوى الحية في المجتمع والتي احدثت المجتمعات لنفسها مؤسسات ومساحات لممارسة حقها في الاختلاف السياسي والاجتماعي والثقافي وفق ضوابط دستورية تحظى بموافقة الجميع، في فترة من الفترات، غير ان هناك عددا من القيم لا تخضع لمنطق الخلاف السياسي او الأيديولوجي وهي التي تشكل القاعدة غير المكتوبة بين مختلف مكونات الأمة ومستويات المسؤولية فيها وفي مقدمتها قيم الانتماء للوطن والاستعداد للتضحية بكل شيء من اجل إعلاء كلمته دون انتظار مقابل مادي او معنوي لان ذلك يدخل في نطاق الواجب الأخلاقي والروحي للإنسان الذي يقدر هذا الانتماء حق قدره. وهذا ما بادر جلالة الملك محمد السادس الى تكريمه في شخص محمد بنسعيد آيت ايدر

لقد جرت محاولات عديدة للنيل من قيمة هذا الهرم الوطني الشامخ خلال السنتين الأخيرتين لكنها لم تحقق غايتها ولم تنجز الا ما هي أهل لها وهو الفشل الذريع وكشف لبؤس من كانوا وراء تلك المحاولات اليائسة. وفي هذا السياق أيضاً، يمكن النظر الى التوشيح الملكي لمحمد بنسعيد باعتباره جوابا ملكيا رسميا وان بشكل غير مباشر، على كل تلك الترهات التي تمت محاولة نسجها حول ماضي هذا المناضل الوطني الغيور على بلاده والذي ترجم ذلك أفعالا بطولية كقائد لجيش التحرير في الصحراء المغربية في أوقات الشدة عندما كانت تبحث قيم الشجاعة والتفاني والتضحية بغير حساب عن من يجسدها فوجدت محمد بنسعيد الى جانب ثلة من الوطنيين الكبار الذين اضطلعوا بمهمة مقاومة الاستعمار الذي تطاول على رمز السيادة الوطنية المغربية الملك الراحل محمد الخامس مع أسرته فنفاهم الى مدغشقر في عملية محاولة تزوير للتاريخ تصدى لها الملك محمد الخامس والحركة الوطنية المغربية بقوة وتجرد ومروءة منقطعة النظير.

ان هذا التوشيح الملكي للمقاوم قد بدد برمزيته السامية غيوم الحقد التي حاول البعض ان تهمين على سماء التلاحم والتقدير المتبادل بين قيادة البلاد ورموزها النضالية والتاريخية كما كشف ضحالة البعض الايديولوجية والتفاهة السياسية للبعض الآخر الذي لم يعرف قط قيم الوطنية الحقة.

كاتب وإعلامي  مغربي

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد