عبد الخالق باحجوب
في يوم من الأيام حدث ما لم يكن في الحسبان، الناس يهرعون مقبلين ومدبرين، لنقل خبر، أو لإستدراك موقف، وهم في عجلة من أمرهم، جماعة هنا وأخرى هناك، أناس يتحدثون فيما بينهم، وآخرون متحلقين حولهم، ينصتون في فضول وذهول، وهو يقترب منهم، سمع اسم المريكان يتردد على ألسنتهم، كان ذلك عندما لاحت لهم جحافل من الجراد البشري تكتسح المستعمرة من الجهة الغربية، وتنتشر في كل مكان..
معززين بآلات الدمار والخراب، المدرعات والذخيرة، والطائرات الحربية.. وبعد أن أقاموا معسكرهم وضربوا خيامهم غرب المستعمرة، أقامت الهيئة العليا في دار الضيافة، (حيث الكازينو فوق الهضبة المشرفة على “جنان الجبورات” القديم، من هناك تمتد قمم الأشجار والنخيل، على مدى البصر، تحت أشعة شمس الأصيل الذهبية)، وذلك بعد أن استقبلتهم الجالية الفرنسية بالترحاب والشراب، فيما انتشر الآخرون يتجولون في كل مكان، يشاركون الفرنسيين حياتهم في فيلاتهم ونواديهم، كما لم يسلم من هيمنتهم لا مجموعة البرارك، ولا تلك الدواوير النائية، وبدءوا يوزعون على هؤلاء العمال المساكين شوينكوم وسجائر السموك، وهم يتطلعون اليهم في وجوم بنظرات مستفسرة، بين سحناتهم المتجمدة وأسلحتهم الرهيبة، يفكرون فيما يحدث وما يمكن أن يكون ؟
ذات يوم، توقفت دورية جيب، على حين غرة قرب المحجوب، وهو في طريقه الى الفيلاج، قفز منها أربعة جنود مسلحين أحاطوا به، لم يفهم من لغطهم شيئا، أشار إليه أحدهم وهو يصوب الرشاش نحوه، بأن يرفع قدميه تباعا، فيما راح الآخرون يقلبون ويتفحصون أسفل نعله، لم يعثروا على ضالتهم، فعادوا إلى لغطهم، وهم منصرفون لاستئناف تحرياتهم، وهذا آخر يأتيه متسللا، عندما كان يرمم بعض الحجارة حول البراكة، لم يشعر به إلا حين رمى إليه بعلبة سجائر سموك، ولما التفت نحوه، وجده متربصا، يتطلع اليه في فضول، ثم سأله بإشارة من يده يريد عود ثقاب، فرد عليه المحجوب موضحا كذلك بالإشارة، بأنه لا يوجد معه عود ثقاب، ولا هو بمدخن، فنظر إليه نظرة غريبة لم يفهم المحجوب معناها، فتركه ومضى يمضغ علكا ويبصق، متأبطا رشاشه باحثا عن رقم جديد…