لوحة العمر..

بقلم عبد الغني عارف

يقف وحيدا في شرفة بيته.. يتأمل الشاطئ الممتد أمام عينيه المتعبتين بالسهاد. ينعشه رذاذ البحر الناعم. ريشته هي وحدها مؤنسته في صحراء عزلته. كعادته كل صباح ينكب على الرسم. لا أحد يبالي به أو بما يرسمه. لقد أصابه الكساد منذ سنوات. هذا الصباح قرر أن يرسم لوحته الأخيرة.. إنها لوحة العمر. لم يتردد كثيرا في اختيار الألوان ومساحات الضوء المناسب، فاللوحة نضجت في وجدانه منذ ذلك اللقاء الأول. رسم صورة امرأة جميلة يستحضر فيها ملامح أول فتاة أحبها، وهو في بداية شبابه. وبينما هو منهمك في عمله، إذ به يسمع طرقا عنيفا آتيا من الخارج. يفتح الباب. ينتصب أمامه أفراد من الشرطة. بخبرونه أنهم مأمورون بإلقاء القبض عليه. لقد قدمت أمرأة شكاية ضده بعد أن اكتشفت فجأة أنها فقدت ملامحها وظلالها. سألوها: هل تشكين في أحد؟ أطرقت قبل أن تجيب: أشك في جارنا الرسام. اقتحموا منزله وجدوه متلبسا برسم لوحة بملامح وظلال شبيهة بجارته. اقتيد إلى مخفر الشرطة. أثناء المحاكمة وجهت له تهمة السطو على ملامح الغير وتوظيفها في عمل فني. اعترف بالتهمة: اختطاف ملامح امرأة!! .. . تمنى لو سأله القاضي عمن تكون تلك المرأة الاستثنائية في حياته ، ولأنه لم يفعل فقد اكتفى بالابتسام وهو يتقبل التهمة. ومنذ أن شاع الخبر أصبحت لوحاته غالية الثمن وأصبح المهتمون يتسابقون على اقتنائها. أما هو فقد تيقن أخيرا أنه فعلا كان يحبها، وأنه ما يزال يحبها.

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد