إعداد: الدكتورمحمد الدريج أستاذ باحث في علوم التربية [email protected]
تقديم: النشأة: الجزء الأول
ينطلق نموذج/نظرية “تساعية أنماط الشخصية” (الإينياجرام)، من السعي نحو معرفة إلى أي فئة من الناس ينتمي كل واحد منا، ونوع التكوين الذي يحتاجه والأعمال والمهام والمناصب الاكثر ملاءمة لنمط شخصيته. وقد لاحظنا مؤخرا شيوع توظيفه في مجالات شتى في أمريكا الشمالية وخاصة في مجالات التواصل والتكوين والتدريب وتأهيل القيادات العاملة في مختلف القطاعات.
وقبل تفصيل الحديث عن هذا النموذج وتوظيفه، سنعمل في بداية هذه الدراسة على رسم الاطار العام الذي ظهر فيه الإينياجرام Ennéagramme وانتشر، وبعدها سنفصل الحديث عن أهم أسسه ومكوناته وأوجه توظيفه في مجالات التربية والتكوين وسنخصص جزءا ثانيا لتطبيقات النموذج من مجال التربية والتكوين.
لا ترتبط نظرية الإينياجرام بمؤلف واحد ، فقد ساهم في انشائها وتطويرها العديد من الباحثين، بل ظهرت جذورها منذ آلاف السنين في أسيا وفي الشرق الأوسط، حتى دخلت أوروبا في عشرينيات القرن الماضي كما سنرى، ثم تطورت في خمسينيات نفس القرن على يد أوسكار إيشازو Oscar Ichazo والذي أنشأ معهد الأريكاArica في نيويورك، حيث وضع كل ما توصل إليه من أبحاث ومواد في الثقافات القديمة بطريقة علمية صحيحة. ثم قام بتطويرها كلاوديو نارانجو Claudio Naranjo وأضاف عليها وربط بينها وبين الطب النفسي.
لكن لا بد أن نذكر منذ البداية، انه وعلى الرغم من ارتباط هذه النظرية وخاصة لدى جورج ايفانوفيتش غوردجييف G.I Gurdjieff الذي يعود له فضل في التعريف بها ونشرها، ببعض الافكار ذات الطابع الصوفي والفلسفي، فإننا سنعمل على التركيز على جانبها العلمي النظري منه والتطبيقي، باعتبارها أولا نظرية من نظريات دراسة الشخصية في علم النفس، ثم باعتبارها ثانيا، نموذجا يمكن تطبيقه في مجالات التربية والتكوين والتطوير الذاتي.
ولد غوردجييف وهو من اصول أرمينية، في روسيا حيث أنشأ سنة 1919 “معهد التنمية المتناغمة للإنسان”، وتوفي في باريس سنة 1948والتي انتقل اليها في عام 1922. وقد كانت تسود في هذا المعهد، أفكار صوفية/فلسفية عن الانسان والعالم.
وللإشارة فهناك من يذكر أن أصل التساعية لا يزال غير واضح وظهرت العديد من الافكار حول موضوع النشأة، لكن المؤكد أنها انتشرت كوسيلة من وسائل التنمية الذاتية من خلال مختلف المؤلفين منذ سنة 1970 في الولايات المتحدة وكندا كما أسلفنا، وخاصة في إطار علم النفس الإنساني والآن تستخدم هذه النظرية كذلك، كطريقة في مجال الإدارة وتكوين وتدريب الأطر المسيرة وتطوير المؤسسات بشكل عام، وأصبحت موضوع العديد من الندوات والكتب والمجلات والاشرطة. وكان من أهم الكتب في مجال تطوير الكفاءات واعداد الاطر والقيادات والتي لقيت رواجا كبيرا واطلعنا عليها مؤخرا: كتاب الباحثة الأمريكية جنجر لبيد بوكدا، تحت عنوان:
Dr Ginger Lapid-Bogda (Traduction Claudine Prune)
Leadership. Identifier ses talents et les développer avec l’ennéagramme
ESF Editeur. Issy_Les_Moulineaux. 2008.
أولا– الإينياجرام ضمن دراسات الشخصية في علم النفس.
سنقدم فيما يلي عرضا مركزا لبعض المدارس والنظريات في علم النفس والتي أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر في الإينياجرام، وكتمهيد ضروري لفهم أعمق لهذا النموذج وموقعه في خريطة المدارس والنظريات السيكولوجية التي اهتمت بدراسة الشخصية وأصبحت منطلقا لتوظيف نتائجها، في مجالات التربية والتكوين وتدبير المؤسسات والمقاولات.
1- مدرسة التحليل النفسي:
اجتهد علماء النفس منذ القدم في دراسة شخصية الإنسان وذكائه ودوافعه والعوامل المؤثرة في سلوكه، حيث توالت الكثير من المدارس النفسية، منها على سبيل المثال، مدرسة التحليل النفسي.
يشير مصطلح التحليل النفسي في العادة إلى نظرية الشخصية كما يشير إلى طريقة العلاج النفسي التي أعلنها سيجموند فرويد Sigmund Freud، وأحيانا إلى طريقة في الاستقصاء تتلخص أساسا في تبيان العمق اللاشعوري لكلام وأفعال الناس، وكذلك لإبداعاتهم وإنتاجهم التخيلي.
وهكذا ينظر عموما للتحليل النفسي بوصفه:
- نظرية في الشخصية حيث يشغل مفهوم الشخصية، أهمية خاصة، حيث تشمل مادة هذه النظرية الشخصية بأسرها، فتتعلق بتاريخ نموها وتطورها وتفاعلاتها الدينامية الداخلية والخارجية.
- نظرية في النمو النفسي، حيث هي نظرية سيكولوجية تعطي أهمية كبيرة للتاريخ الفردي للشخص، ولا سيما الخبرات والعلاقات الشخصية لهذا التاريخ الفردي.
- طريقة في علاج الأمراض النفسية واضطرابات الشخصية، والمدرسة من حيث هي طريقة علاجية تحليلية، تعبر عن علاقة دينامية بين شخص وآخر. كما تعد العلاقة الوطيدة القائمة بين المريض والمعالج (المحلل النفسي) أفضل سياق لدراسة الشخصية، وفي اثناء تلك العلاقة يفصح المرضى عن أفكارهم ومشاعرهم وذكرياتهم وتخيلاتهم وأحلامهم ليقوم المعالج بتحليل تلك البيانات وتفسيرها. على ان يدرس عالم النفس قوانين ومحددات الشخصية السوية واللاسوية مع ابتكار طرق لعلاج اضطرابات الشخصية.
كما تنطلق مدرسة التحليل النفسي من المفاهيم الأساسية الآتية:
- تتألف بنية الشخصية من: الهو id، الأناego ، الأنا الأعلى super ego.
- بنية الوعي او العقل وتتألف من: الشعور، ما قبل الشعور، اللاشعور.
- أهمية الكشف عن القلق العصابي.
- تعد كل من الدوافع اللاشعورية والذكريات والمخاوف والصراعات والاحباطات والآليات الدفاعية النفسية (الكبت، الإسقاط، التبرير، رد الفعل، التعويض، النكوص، الإعلاء…)، مظاهر هامة للشخصية وان إخراجها للشعور يعد علاجا حاسما لاضطرابات الشخصية.
- أهمية النمو النفسي الجنسي والذي يتم عبر مراحل (المرحلة الفمية، المرحلة الشرجية، المرحلة القضيبية…). وإبراز أهمية غريزة الجنس في تكوين الشخصية والرغبات الجنسية اللاشعورية في نشوء الاضطرابات النفسية.
- تتكون الشخصية أثناء الطفولة المبكرة حيث تعد ذكريات السنوات الخمس الأولى من حياة الفرد أمرا أساسيا للعلاج. وهكذا يعود الفضل للتحليل النفسي في إبراز دور مرحلة الطفولة المبكرة في تكوين الشخصية ، والتأكيد على أهمية السنوات الأولى من حياة الطفل حيث تتكون العديد من الدوافع اللاشعورية نتيجة التجارب والكبت والتي تؤثر في حياة الفرد أيما تأثير.
وللتذكير فقد أدت النظرة النقدية إلى آراء فرويد مؤسس هذه المدرسة، حول اللاشعور، والحياة الجنسية الطفلية، والكبت، والمقاومات والبناء النفسي للإنسان… إلى نشوء عدد من الاتجاهات في داخل حركة التحليل النفسي مثل اتجاه كل من ألفريد أدلر Alfred Adler وكارل يونج Carl Jung وغيرهما كثير. وقد طرح ممثلو هذه الاتجاهات نظرياتهم وتفسيراتهم الجديدة لمسألة الشخصية.
2-المدرسة السلوكية:
كما اهتمت المدرسة السلوكية لمؤسسها جون واطسونJohn Watson بدراسة الشخصية، حيث تقول بان الفرد في نموه يكتسب اساليب سلوكية جديدة عن طريق عملية التعلم ويحتفظ بها. والشخصية حسب النظرية السلوكية هي التنظيمات او الاساليب السلوكية المتعلمة الثابتة نسبيا التي تميز الفرد عن غيره. وكان من اهم تطبيقاتها نظرية التعلم (خاصة نظرية كلارك هل) في مجال الشخصية وما قام به جون دولارد ونيل ميللر.
ومن اوائل اقطاب هذه النظرية ويليام جيمس William James، كما ساهم الروسي إيفان بافلوفIvan Pavlov اسهاما هاما من خلال تجاربه على سلوك الكلاب واستجاباتهم لمختلف المنبهات (قانون المنبه والاستجابة)، حين اوضح عملية الاقتران الشرطي وما يتصل بها من عمليات التعزيز والتعميم.
وكما هو معلوم فقط تأثرت بيداغوجية الاهداف الاجرائية شديد التأثر بهذه المدرسة، والتي أصبحت تعرف بالمقاربة بالأهداف أو التدريس الهادف الذي يقوم على تحديد مجموعة من الأهداف السلوكية المرصودة والملاحظة، سواء أكانت أهدافا عامة أم خاصة.
كما تقوم هذه المقاربة في مجال التدريس، على التفكير في صنافات الأهداف المعرفية والوجدانية والحسية الحركية، لوصف مختلف استجابات المتعلم، وصياغتها في عبارات سلوكية محددة ودقيقة، حيث يكون الانجاز اجرائيا وقابلا للملاحظة، وتصنيفها في مراق مركبة، تتدرج من السهولة إلى الصعوبة والتعقيد.
وحتى تتماشى بيداغوجية الأهداف مع روح المدرسة السلوكية، عمدت إلى تجزئة الأنشطة المدرسية إلى عمليات لا متناهية في الدقة دون اعتبار لذاتية المتعلم ولا إلى حرية المدرس في اختيار وتنظيم وضعيات التعلم المناسبة لتلاميذه.(للمزيد انظر: محمد الدريج، “التدريس الهادف” 1990، منشورات رمسيس، الرباط).
3-المدرسة المعرفية
تركز هذه المدرسة على اكتشاف العمليات الذهنية الداخلية. حيث تدرس كيف يقوم الناس بالتفكير، والإدراك والتذكر، والتحدث، وحل المشكلات
ولعل ما سهل انتشار الاتجاه المعرفي في علم النفس، ظهور علوم الحاسب الآلي (المعلوميات) والذكاء الاصطناعي، حيث نشطت المناظرات بين طريقة الإنسان في حفظ المعلومات ومعالجتها وطريقة الآلات. وقد أدى هذا التناظر، إضافة إلى الافتراضات التي تعتمد على وجود التمثيل العقلي وأنه يمكن الاستدلال على الحالات العقلية من خلال التجربة العلمية في المعامل، أدى إلى ظهور هذا الاتجاه كنموذج مبسط وجديد لدراسة التفكير.
(انظر محمد ضباشه: “المدارس الفكرية في علم النفس”، عن فوقية أحمد السيد عبد الفتاح، “علم النفس المعرفي بين النظرية والتطبيق”، الناشر: دار الفكر العربي، 2005).
وتختلف المدرسة المعرفية عن مدارس علم النفس الأخرى في أمرين هامين:
- يمكن استخدام الأساليب العلمية في علم النفس المعرفي مثل الاستبطانintrospection .
- الإقرار بشكل واضح بوجود حالات ذهنية داخلية/باطنية مثل: الإيمان، الرغبة، الفكرة، المعرفة، والدافع…
ومن رواد هذه المدرسة العالم السويسري المعروف جان بياجيهJean Piaget الذي يرى ان عالم النفس عليه ان يهتم بالعمليات المعرفية بوصفها جوانب من السلوك لا يمكن ان تخضع للملاحظة المباشرة، مع انها تلعب دورا واضحا ومهما في توجيه السلوك والشخصية والتعلم.. مثل التفكير والذكاء والوعي والقيم… “وهي عمليات يرى بياجيه أنها تحكم إدراكنا للعالم والبيئة من دون ان يعني ذلك، ان البيئة والعالم الخارجي يلعبان دورا سلبيا في نمو وعي الإنسان وهو وعي يمر بمراحل ارتقائية مختلفة ولهذا يتغير إدراك البيئة لدى الشخص بتغيره ونموه ونضجه”.
وعليه يمكن القول ان علماء المدرسة المعرفية يؤمنون بما يأتي:
– ضرورة دراسة العمليات العقلية المختلفة مثل: التفكير، الادراك، الذاكرة، الانتباه، حل المشكلات، اللغة…
– أهمية السعي الى اكتساب معلومات دقيقة عن كيفية عمل تلك العمليات وكيفية تطبيقها في الحياة اليومية.
– استخدام الاستبطان وبصفة خاصة لتنمية الشعور الحدسي، إلى جانب استخدام الطرق الموضوعية لتعزيز وتأكيد مثل هذا الحدس.
4: مدرسة علم النفس الإنساني:
تبلور الاتجاه الإنساني في علم النفس خلال الربع الأخير من القرن العشرين، كقوة فاعلة بعد التحليل النفسي والسلوكية و المعرفية. ويمثل هذا الاتجاه كل من أبراهام ماسلو Maslow وكارل روجرز Rogers واريك فروم Fromm. والمنطلق الأساسي لهذا التوجه، “ان الإنسان مدفوع بطبيعته لفعل الخير وهو ينطوي على دافع رئيسي للنمو والارتقاء والإبداع وتحقيق الذات. وعليه تكون الوظيفة الأساسية لعالم النفس هو مساعدة الأفراد على ان يكتشف كل منهم إمكانياته الحقيقية وإعانتهم على تحقيقها من خلال التوجيه والإرشاد”.
ويؤكد علماء هذه المدرسة على ما يأتي:
– على الباحثين النفسيين دراسة الإنسان ككل، بدلا من تقسيمه وظيفيا الى فئات او أجزاء. ويجب ان توجه الأبحاث نحو مشكلات الإنسان الهامة مثل: المسؤولية الشخصية، أهداف الحياة، الالتزام، تحقيق الذات، الابتكارية، التلقائية، القيم… الخ.
– وأن يكون هدفهم الرئيسي من الدراسة والبحث وجمع المعلومات ،هو تقديم الخدمات بالوصول بقدرات الناس إلى حدها الأقصى وإغناء حياتهم .
– يجب أن يركز علماء النفس على الوعي الذاتي والخبرة الذاتية كأساس لكل الأنشطة الإنسانية.
– على علماء النفس السعي لفهم الأفراد العاديين وغير العاديين، الأسوياء وغير الأسوياء مع التأكيد على التفرد والفردية وليس القوانين العامة للسلوك. وعليهم كذلك، الاهتمام بموضوعات الدراسة أكثر من الاهتمام بأساليب دراستها، لذا فان أساليب البحث المستخدمة في المدرسة الإنسانية تشمل: الطرق الموضوعية، دراسة الحالة، الاستبطان وتحليل الأعمال الأدبية… (انظر فيولا الببلاوى: ”علم النفس الإنساني”، 1978- مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة ).
كما تميز علماء النفس الإنسانيين بدراسة موضوع تحقيق الذات وهو أعلى حاجة في سلم الحاجات لدى ماسلو ولا يصل إليها الا قلة من الأفراد الذين يتصفون بما يأتي:
o الإدراك الدقيق للواقع.
o تقبل الذات والرغبة الموجبة في الخصوصية مع العلاقات الاجتماعية الوثيقة بقلة من الأفراد.
o تقبل الآخرين والشعور القوي بالتعاطف مع الناس ومشاركتهم وجدانيا خلال الأزمات الفردية او الجماعية.
o التلقائية وروح النكتة الخالية من العداء والاستمتاع المتجدد المستمر في تذوق أساسيات الحياة.
o التمركز حول المشكلات والسعي لحلها.
o درجة عالية من الاستقلالية و الديمقراطية في القول والسلوك.
o الإبداعية.
( للمزيد راجع، “الشخصية: النظريات الكلاسيكية والبحث الحديث”لـ ميريام شستك، هاورد فريدمان,ترجمة: أحمد رمو، المنظمة العربية للترجمة 2013).
5- المنهج التصنيفي في دراسة الشخصية:
مما لاشك فيه أن الدراسة العلمية للشخصية، يشوبها الكثير من الصعوبات، وأحد أهم هذه الصعوبات توفير الأسلوب المنهجي المناسب لدراسة الشخصية ووصفها ومن ثم محاولة التنبؤ بالسلوك والتحكم به، إذ ذهب الكثير من المهتمين إلى استعمال المنهج التصنيفي، حيث افترضوا وجود جملة من الخصائص والصفات الجسمية والعقلية والوجدانية المتشابهة، يمكن عن طريقها تصنيف الناس ضمن أصناف أو نماذج أو أنماط للشخصية محددة وواضحة. وهذا ما نجده لدى دراسات كل من شيلدون وكريتشمر ومن تبعهم بعد ذلك .في حين ذهب آخرون إلى دراسة الشخصية ومحاولة فهمها من خلال الأبعاد والعوامل والسمات التي تشكل في مجملها الشخصية الإنسانية، وخير مثال على ذلك دراسات جيلفورد وكاتل وآلبورت وغيرهم ممن يؤيدون هذا المنهج البعدي والعاملي في دراسة الشخصية.
1.5- نظرية الأنماط: ظهرت بالإضافة الى مدارس علم النفس، نماذج ونظريات متخصصة في دراسة الشخصية تقوم على المنهج التصنيفي، من اشهرها نظرية الأنماط النفسية، من مثل نظرية كارل يونج Carl Jung، الذي رأى أن علاقة الفرد بالعالم الخارجي تتم من خلال نمطين، الانبساطي والانطوائي:
– الانبساطي: ويتميز بأن انتباهه وتركيزه موجهان نحو البيئة الخارجية، ويحب التواجد بين الناس، وتكوين العلاقات معهم، وتصدر أقواله وأفعاله عن عوامل موضوعية، وهو واقعي، ويحب العمل الذي يقربه من الناس.
– الانطوائي: يميل إلى العزلة، ويبتعد عن الاختلاط بالناس، وتصدر أقواله وأفعاله عموما عن عوامل ذاتية، وهو يحب التأمل وأحلام اليقظة، ويفتقر إلى الثقة بالنفس ويفضل العمل الذي يبعده عن الناس
وحسب نظرية يونج، هناك اربع وظائف نفسية اساسية وعن طريقها يرى العالم ويتفاعل معه والتي بتفاعلها مع النمطين السالفين، تتكون لدينا ثمانية أنماط من الشخصية…
– وظيفة الحواس
– وظيفة التفكير
– وظيفة المشاعر
– وظيفة الحدس.
Jung, Carl Gustav (2002). Obra Completa volumen 9/I: Los arquetipos y lo inconsciente colectivo.)
Madrid: Editorial Trotta)
2.5- نظرية السمات :
ترى نظرية السمات لصاحبها عالم النفس الأمريكي جوردن ألبورت Gordon Allport، أنه يجب تحديد عدد كبير من السمات المشتركة بين الناس للتعرف على شخصية الفرد. والسمة هي الصفة او الخاصية (الجسمية او العقلية او الانفعالية او الاجتماعية) الموروثة او المكتسبة في نفس الآن، التي يتميز بها الفرد وتعبر عن استعداد ثابت نسبيا لنوع معين من السلوك.
ويرى ألبورت أن السمات تنقسم لقسمين :
– السمات العامة: وهي المشتركة بين كثير من الناس بدرجات متفاوتة، وتكون موزعة بينهم توزيعا اعتداليا.
– السمات الفردية: وهي التي تخص فردا معينا ،وهي السمات الحقيقية في نظر ألبورت والتي يمكن من خلالها وصف شخصيته بدقة. وتنقسم إلى السمات الرئيسية والمركزية والثانوية:
– السمة الرئيسية: هي سمة واحدة تسيطر على شخصية الفرد وسلوكه.
– السمات المركزية: تتراوح بين خمس إلى عشر سمات في الشخص الواحد وتكون مميزة لشخصيته وسلوكه.
– السمات الثانوية: هي سمات غير مميزة لشخصية الفرد ولا تظهر إلى في بعض المواقف” (انظر
حامد زهران،1997: “الصحة النفسية والعلاج النفسي”، عالم الكتب، ط3، القاهرة).
3.5- نظرية الذكاءات المتعددة:
كما ظهرت كذلك نماذج ونظريات متخصصة في تحليل الشخصية من جانب دراسة الذكاء ومن أهمها نظرية الذكاءات المتعددة، وهي وان لم تكن نظرية في الشخصية وتهتم اكثر بدراسة الذكاء، إلا ان امتداداتها تطال بالضرورة شخصية الفرد بأسرها.
تؤكد هذه النظرية على وجود العديد من القدرات العقلية المستقلة نسبيا لدى كل فرد، أطلق عليها ”الذكاءات البشرية”، لكل منها خصائصها وسماتها الخاصة بها. فالذكاء حسب هذه النظرية، مؤلف من كثير من القدرات المنفصلة والتي يقوم كل منها بعمله مستقلاً استقلالاً نسبياً عن الآخر. وترى هذه النظرية أن الناس يملكون أنماطاً فريدة من نقاط القوة والضعف في القدرة العقلية.
يتعلق الأمر إذن، بتصور تعددي للذكاء، تصور يأخذ بعين الاعتبار مختلف أشكال نشاط الإنسان، وهو تصور يعترف باختلافاتنا الذهنية وبالأساليب المتناقضة الموجودة في سلوك الذهن البشري. وقد صنف هاورد جاردنر،Gardner H. واضع هذه النظرية، هذه الذكاءات إلى ثمانية أنواع:
- الذكاء اللغوي: يتميز من لديه هذا الصنف من الذكاء، بكفاءة السماع، فهو سريع الحفظ، كما أنه يتعلم أكثر عن طريق التعبير بالكلام، وعن طريق السماع والمشاهدة للكلمات.
2 ـ الذكاء المنطقي – الرياضي: للفرد الذي يتصف بهذا الصنف، قدرة فكرية على التصورّ، وله أفكار جريئة، وهو كثير الأسئلة، ودائم التفكير، ويحبّ العمل بواسطة الأشكال والعلاقات والقيام بالتصنيف.
3 ـ الذكاء التفاعلي: إنه متعلم يستوعب أكثر عندما يذاكر مع غيره، وهو يتواصل مع الآخرين بسهولة، ويفهم الآخرين ويتعاون معهم.
4ـ الذكاء الذاتي: يتميز صاحبه بشخصية قوية وإرادة لمشاعره، وثقة كبيرة في ذاته. وهو يتجنب الأنشطة الجماعية، إذ يفضِّل العمل بمفرده وإنجاز المشاريع حسب إيقاعه الخاص.
5 ـ الذكاء الجسمي– الحركي: يتميز بأن له مهارة جسمية- حركية، ويكتسب المعارف عن طريق الحركة، وهو يبرهن عن حركة دقيقة، ويفضل معالجة المعارف بواسطة الإحساس الجسدي.
6 ـ الذكاء الموسيقي: إن صاحبه حسّاس تجاه إيقاعات اللغة والأصوات، وقادر على التعبير عن أفكاره بطريق جد محددة عن طريق الموسيقى، وهو يستجيب للموسيقى بطرق مختلفة.
7 ـ الذكاء الفضائي: إنه متعلم يميل إلى التفكير باستخدام الصور والألوان، ويدرك موضوع الأشياء وله ذاكرة بصرية.
8 ـ الذكاء الطبيعي: يحبُّ التعلم الحي وبخاصة الحقائق المستوحاة من الواقع الطبيعي.
(للمزيد راجع :عبد الواحد أولاد الفقيهي،” الذكاءات المتعددة، التأسيس العلمي”، منشورات مجلة علوم التربية العدد 30 الطبعة الأولى 2012، تقديم أحمد أوزي).
ثانيا- تصنيف الشخصية في “الإينياجرام” (نظرية تساعية أنماط الشخصية):
بموازاة تلك النظريات وبتأثير منها وفي نفس التوجه الذي يسعى الى تجاوز صعوبات الدراسة العلمية للشخصية وفي إطار استخدام المنهج التصنيفي، ظهرت نظرية تساعية أنماط الشخصية (الإينياجرام) والتي تنطلق من مبدأ “اكتشف ذاتك من بين أنماط الشخصيات التسعة”.
هذه النظرية التي نحن بصدد تقديمها والتعريف بها في هذه الدراسة، تقوم على تقسيم الناس إلى تسع شخصيات أو تسعة أنماط من الشخصية، الأمر الذي يسمح بالتوصل إلى فهم ذواتنا والآخرين بشكل أفضل وإلى اكتشاف بدائل لطريقة تصرفات البشر وسلوكياتهم. كما أن فهم وتحديد نوع/نمط شخصيتنا وفهم دوافعها وسلوكياتها بعمق، يؤهل بالضرورة لاختيار التربية والتكوين المناسب والاندماج في الحياة الاجتماعية والمهنية و النجاح في العلاقات العاطفية والعائلية .
يتناول الإينياجرام الشخصية الإنسانية وفق تسعة أنماط للشخصية، تتمايز فيما بينها من حيث الخصائص والسمات المشتركة والمتشابهة ضمن النمط الواحد وتختلف عن سائر الأنماط الأخرى، فضلا عن أن تلك الأنماط التسعة تتوزع على ثلاثة مراكز رئيسة تتكون منها الشخصية الإنسانية وهي: مركز المشاعر ومركز التفكير ومركز الغريزة. (القلب أو المشاعر، العقل أو الفكر، الغريزة أو الفطرة).
يبرر منظرو هذا النموذج/النظرية (أو النظام التصنيفي ) أفضلية التعامل مع الشخصية الإنسانية بوصفها أنماطاً. ذلك أن نمط الشخصية له علاقة وثيقة بالمظاهر السلوكية كلها ،التي تصدر عن الفرد من أسلوب حياته ومعيشته وعلاقاته بالآخرين والبيئة المحيطة به وكل الأنشطة الأخرى التي قد تصدر عنه، وحتى اختياره لمهنة معينة أو تخصص دراسي معين من دون غيره.
كما اتسعت استعمالات هذا النموذج/ النظرية، لتغطي التنمية المستدامة والتكوين الذاتي، والإفادة في التربية والتكوين والتكوين المستمر والتدريب لإعداد الكفاءات وتأهيل القيادات… فأصبحت النظرية لا غنى عنها ليس فقط للتطوير الذاتي للأفراد بل لتطوير المؤسسات والمجتمع بشكل عام، حيث بمعرفتها وتقسيماتها للشخصيات الإنسانية وسمات كل منها وطرق تطويرها، يستفيد منها الفرد في إدراك نقاط القوة لاعتمادها، ونقاط الضعف لتقويتها وتطويرها أو التعايش معها. كما يمكن أن تستفيد منها مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والمقاولات ومؤسسات القطاع الخاص، في تلبية احتياجاتها من الموارد البشرية التي تتوافق مع سياستها وأهدافها وخططها وطبيعة العمل بها. (انظر مصطفى نعيم الياسري “الأنماط التسعة للشخصية” (او الإينياجرام) موضوع رسالة الماجستير المقدمة لقسم علم النفس – كلية الآداب جامعة بغداد – للعام الدراسي 2004، تحت اشراف قاسم حسين صالح).
L’éducation des enfants par l’ennéagramme: les neuf types d’enfants: clefs pour une éducation réussie… Par Elizabeth Wagele. Éditions Vivez Soleil – Genève 2001
ذلك الأنموذج أو النظام التصنيفي يبرر منظروه أفضلية التعامل مع الشخصية الإنسانية بوصفها أنماطاً (نماذجاً) ذلك أن نمط الشخصية له علاقة وثيقة بالمظاهر السلوكية كلها التي تصدر عن الفرد من أسلوب حياته ونمط معيشته وعلاقاته بالآخرين والبيئة المحيطة به وكل الأنشطة الأخرى التي قد تصدر عنه، وحتى اختياره لمهنة معينة أو تخصص دراسي معين من دون غيره.
يتبع