يبدي الأعلام الأميركي هذه الأيام إهتاماً كبيراً بالدعم الروسي المتزايد لنظام بشار الأسد ، حيث تشير المعلومات الأستخبارية المسربة الى وسائل الأعلام الى قيام الروس ببناء قاعدة جوية بجوار مطار اللاذقية وإنشاء دور جاهزة تستوعب حوالى الف شخص ومحطة لمراقبة حركة الطائرات ، كما تقوم طائرات النقل الروسية والبواخر بنقل اسلحة ومعدات عسكرية الى سوريا. وليس من الواضح النية الحقيقة للكرملين ، ولكن كبار المسؤولين الأميركيين عبًروا عن مخاوفهم من أن يؤدي التصرف الروسي الأنفرادي الى صدام مع قوى التحالف الدولي المناهض لداعش . ويتهم بعض المحللين السياسيين الأميركيين الرئيس أوباما باللامبلاة تجاه ما يحدث في سوريا وبغياب العزم و الأرادة في مراحل مختلفة من الصراع في هذا البلد ـ ويشيرون الى خيارات عديدة كانت متاحة للبيت الأبيض في المراحل المبكرة للأزمة ، لم يتم استغلالها لحسم الصراع الدموي ومنع الأنزلاق الى الفوضي . ومن هذه الخيارات:
– إنشاء منطقة ملاذ آمن للاجئين.
– تدميرطائرات النظام على الأرض وفي الجو .
– تقديم الدعم الفعال للجيش السوري الحر.
هذه الخطوات الثلاث كانت كافية لتغيير مسار الحرب في سوريا ولكن حسابات أوباما ، غير الواقعية بإمكانية التفاهم والتنسيق مع موسكو للتوصل الى تفاهم يضع حداً للصراع ادى الى نتائج عكسية والى استمرار الصراع حتى اليوم .
من المرجح ان بوتين يرى الآن في الضعف الأميركي فرصة لتحقيق عدة أهداف :
– ترجيح كفة الميزان العسكري لصالح الأسد.
– منع أي مبادرة أميركية في المنطقة في حالة عدم التنسيق المسبق مع الكرملين.
– إنشاء حلف مناهض للولايات المتحدة في المنطقة يضم روسيا وايران والعراق وسوريا عن طريق ارسال الأسلحة وعقد صفقات الطاقة وابداء الأستعداد لأرسال قوات بحجة الدفاع عن الحلفاء .
– تلميع صورة روسيا القوية مقابل اميركا الضعيفة.
واستغلال كل هذا لأستعادة النفوذ الروسي في المنطقة واحتلال المكانة التي كان يحتلها الأتحاد السوفييتي سابقاً. لذا فأن روسيا لا تريد لهذا الصراع أن ينتهي وتحاول التشبث بموطيء قدم لها في المنطقة ، وفي الوقت نفسه تدرك خطورة المستنقع السوري لذا فأن همها الأكبر اليوم هو حماية ذلك الجزء من الأراضي السورية ، الذي يضم دمشق وحمص والساحل السوري .
بعد حرب اكتوبر عام 1973 اقترح بريجنيف ارسال قوات روسية محدودة الى منطقة النزاع للفصل بين الجانبين المصري والاسرائيلي ولكن الرئيس الاميركي نيكسون رفض هذا الاقتراح رفضا قاطعا وادرك ان ذلك يعني اضفاء الشرعية على الوجود العسكري السوفييتي الدائم في المنطقة .وها هي روسيا تعود اليوم الى المنطقة دون ان تستطيع واشنطن فعل أي شيء يحول دون ذلك . الخطوة الروسية الغامضة تحولت الى كابوس يؤرق كبار المسؤولين في واشنطن وفي مقدمتهم الرئيس اوباما .
خطوة موسكو الحالية أشبه بالخطوة الأميركية الأولى في الحرب الفيتنامية . ففي البداية أرسلت اميركا عددا محدوداً من المستشارين والمدربين العسكريين ،ولكن الواقع الميداني أرغم واشنطن على ارسال المزيد ثم المزيد منهم بمضي الزمن ، وفي نهاية المطا ف اضطرت الى إرسال قوات برية لحماية نظام سايغون الآيل للسقوط ، ولم يؤد ذلك الا الى إراقة المزيد من الدماء وتكبيد الولايات المتحدة خسائر بشرية ومادية جسيمة واهتزاز مكانتها في العالم