يونس إمغران : إعلامي مغربي
في قراءتهم لنتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة التي عرفها المغرب يوم 4 شتنبر 2015، ذهب يعض المحللين الإعلاميين والسياسيين إلى القول؛ أن الملك محمد السادس لن يقبل بتغول حزب العدالة والتنمية في المدن، ولن يسمح بتحوله إلى قوة حزبية وحيدة. والواقع أن هذا الاستنتاج لا يجد مبرره الشرعي – إذا ما تأملنا – في طبيعة النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات المشار إليها أعلاه، والتي – بالفعل – تؤكد لنا تغول حزب المصباح وهيمنته على مفاصل أهم المدن المغربية الكبرى والمؤثرة في مسار البلاد سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا كالدار البيضاء والرباط وفاس وطنجة وأكادير وتطوان ومراكش وغيرها. كما تؤكد لنا – نفس النتائج – أن الملك قد قبل بهذا التغول، ولم يبد بشأنه أي اعتراض أو امتعاض.. لماذا ؟ بل لماذا لم يحسن المحللون الإعلاميون والمراقبون السياسيون قراءة الموقف الملكي من فوز العدالة والتنمية بأهم المجالس الجماعية الممكنة ؟. الجواب قد يكون بسيطا، إذا ما كان المحللون والمراقبون قد أجمعوا على القول بأن الملك تعفف عن التدخل في تشكيل خريطة النتائج، وأنه أعطى الدليل الدامغ على رغبته في تمتيع الاستحقاقات الدستورية بجرعات حقيقية وزائدة من النزاهة والشفافية والمصداقية. فلو أنهم أعربوا – أي هؤلاء المحللون – عن هذا الاستنتاج، لكان ذلك أسلم لهم من اتهام الملك ب”دوره الخفي” في تضخيم إمكانيات هذا الحزب، وتخفيف وزن الحزب الفلاني، وتقليص أجنحة الحزب الثالث، وتأديب الحزب العاشر. لذلك، أعتقد، بأن قراءتهم لفوز حزب المصباح كانت خاطئة جملة وتفصيلا، بل لم تكن صادقة وحيادية، بقدر ما كانت “فرقعة إعلامية” مقصودة؛ هدفها أن تتصدر المشهد الإعلامي باعتبارها العنوان الأكثر إثارة وجاذبية. والسؤال الذي يطرح نفسه، هو كالتالي: لو كان حزب الأصالة والمعاصرة قد اكتسح مجالس المدن الكبرى الجماعية، واستفرد بصناعة قرارها التدبيري ؟ هل كان هؤلاء المحللون الأذكياء يذهبون في اتجاه تقرير حكمهم السابق ؟ أي بعبارتهم نقول: إن الملك لن يقبل بتغول حزب البام في المدن؟ ولن يسمح لهم بالتحول إلى القوة الحزبية الوحيدة في البلاد ؟. إن جميع القراءات السابقة عن انتخابات 4 شتنبر – وخاصة الصادرة عن خصوم الإسلاميين – كانت تجمع على اقتراب موعد بزوغ عهد حزب البام في المغرب، وهيمنته المطلقة على واقعنا السياسي من طنجة إلى الكويرة.. وبالرغم من ذلك لم يتحرك أي “نبي سياسي” إلى الكشف عن وحيه بالقول: إن الملك لن يقبل بتغول حزب الجرار ؟.. اللهم إلا إذا كان هؤلاء المنجمون واثقين من أن الملك يقبل بتغول “البام”، ولا يقبل بتغول البيجيدي ؟. إن تغول الحزب الإسلامي وإنزال ستائر غلبته على الخريطة السياسية بالمغرب؛ عامل إيجابي، ومؤشر دال على سلامة الفعل السياسي ببلادنا، وعلى عافيته وصحته، وعلى قدرته الكاملة على إنقاذ ميكانيزمات الخريطة الحزبية من الصدإ والتوقف والعطب.. كيف ذلك ؟. لقد بات مطلوبا من الأحزاب المغربية – جميعها – أن تحتذي بحزب العدالة والتنمية الذي أضحى نموذجا في التنظيم والمأسسة.. أن تحتذي به في تحديد عقيدته السياسية بكل وضوح وبساطة.. وفي تشكيل شخصيته الإيديولوجية.. وفي تحديد أسلوبه الشفاف عند تعاطيه مع دولابه الداخلي.. وفي إقراره للآليات الديموقراطية الداخلية.. وفي طريقة تأطيره للمواطنين وتأهيلهم للمشاركة في عملية بناء الإنسان والوطن.. وفي الكشف عن استراتيجيته المرنة في التعامل مع خصومه السياسيين.. إن تكامل صورته المبنية على هذه العناصر المشار إليها أعلاه، هي التي مكنت حزب المصباح من حادثة التغول يوم 4 شتنبر 2015.. وهي التي يمكن أن تمنح للأحزاب المغربية الأخرى – في حالة تمثلها على مستوى التطبيق – فرصة المنافسة على إقناع الناخبين بالتصويت عليها عند موعد كل استحقاق دستوري. لكن للأسف الشديد، فإن صورة الأحزاب اليوم – باستثناء “البيجيدي” – لا تبعث على الارتياح، ولا تدعونا إلى التفاؤل، ولا تعدنا بالبشرى.. لأنها صورة مضببة، و”مهزوزة”، وذات جودة رديئة.. صورة مظلمة تجمع في إطارها قياديين لا مصداقية لهم، وآليات ديموقراطية كاذبة ومغشوشة، وإيديولوجيات بالية وعقيمة، وإرادة متصلبة تمتنع عن أي تغيير أو تحول إيجابي، وصراعات واتهامات متبادلة وانشقاقات متواصلة.. لذلك لا تستطيع أن تحرز “حادثة” التغول، ولا أن تفرز لنا “واقعة” اليقظة من كوابيسها المستمرة المقلقة.