تواجه “وحدات حماية الشعب” الكردية اتهامات بقمع وطرد سكان المناطق السورية التي انتزعوها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذين اعتبروا أنه “لا اختلاف” بين الطرفين.
ويقول أحد الذين فروا من قرية تركمانية نائية في سوريا جراء قصف طيران التحالف الدولي، إن “ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية لم تسمح لأسرته المكونة من سبعة أفراد بالعودة إلى ديدلر بالقرب من الحدود التركية، وقالت له إنها أصبحت الآن أرضا كردية وليس للتركمان من أمثاله أي مكان هناك”.
ويضيف جمال ديدي (43 عاما) الذي يعيش في مستوطنة مؤقتة من خيام اللاجئين في مستودع شاحنات مهجور بالقرب من البوابة الحدودية أكجاكالي التركية، “حينما كانت الدولة الإسلامية هناك فإنهم اضطهدوا الناس. والآن توجد وحدات حماية الشعب ولا اختلاف بينهما.. نحن لا نساند أي جماعة لكننا مع ذلك نُجرَّد من حقنا في العيش في أرضنا”.
الأكراد الذين برزوا بوصفهم أكبر شركاء التحالف الدولي فعالية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، ينفون بشدة أنهم أجبروا أفراد جماعات عرقية أخرى على ترك أراضيهم التي استولى الأكراد عليها. وهم يقولون إن من غادروا “فعلوا ذلك خوفا من المعارك، وإنهم محل ترحيب إذا أرادوا العودة مع ضمان بحفظ سلامتهم”.
وقال إدريس ناسان، المسؤول في الإدارة الكردية لمنطقة كوباني، التي تشتمل على تل أبيض: “حينما تأتي إلى داخل تل أبيض سترى أن العرب والمسلمين والتركمان والأرمن كلهم يعيشون معا”.
وأضاف ناسان في تصريح صحافي عبر الهاتف، “إنها متعددة الثقافات متعددة القوميات متعددة الطوائف. وحماة هذه الإدارة هم وحدات حماية الشعب وهذه إشارة إلى كل الناس، لسنا لحماية الشعب الكردي وحده”.
لكن الاتهامات بأن غير الأكراد أجبروا على المغادرة فيما سمته تركيا المجاورة “تطهيرا عرقيا” شوهت سمعة الأكراد في وقت عززت فيه انتصاراتهم على الدولة الإسلامية على الأرض مكانتهم.
واستعادت وحدات حماية الشعب الكردية وجماعات أصغر من المعارضة السورية بمساندة من الضربات الجوية الأمريكية بلدة تل أبيض الحدودية من تنظيم الدولة الإسلامية في 15 حزيران/ يونيو الماضي، وهو ما اضطر أكثر من 26 ألف شخص إلى الفرار إلى تركيا.
والآن بعد أن أصبح تقريبا نصف حدود سوريا مع تركيا في أيدي الأكراد، فإن أنقرة تخشى إنشاء منطقة كردية مشمولة بالحكم الذاتي في شمال سوريا وهو ما قد يذكي المشاعر الانفصالية بين الأكراد من سكان تركيا. وتتهم أنقرة المقاتلين الأكراد في سوريا بأن لهم صلات بجماعة حزب العمال الكردستاني التي شنت حربا على الدولة الكردية على مدى ثلاثة عقود.
ويقول بعض الأكراد إن المخاوف بين اللاجئين يعمد إلى تهويلها الأتراك لتشويه سمعتهم.
وقال دنجير مير محمد فرات، عضو البرلمان التركي عن حزب الشعوب الديمقراطي المعارض المؤيد للأكراد: “الحكومة (التركية) قالت إنها لا تريد أن تتوحد الكانتونات (الكردية) وحينما حدث ذلك يحاولون الآن خلق راي عام سلبي لأنهم غاضبون. إنهم يلعبون لعبة خطرة بإذكاء المشاعر القومية”.
ويقول رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يراقب الحرب السورية من خلال شبكة مصادر على الأرض، إنه “لا توجد أدلة على وقوع عمليات طرد ممنهج من جانب الفصائل المسلحة الكردية على أساس عرقي رغم وقوع حالات منفردة”.
لكن ياسين سعيد وهو أب جديد فر من “سلوك” وهي قرية عربية سورية تقع على بعد نحو 20 كيلو مترا إلى الشرق من تل أبيض عندما دخلت قوات كردية منذ أكثر من شهر قال أنه يخشى العودة.
وقال وهو يجلس في خيمة بينما كانت زوجته تداعب ابنتها ذات الثمانية أشهر: “إذا لم تكن كرديا وإنما عربيا يقيم تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية فإنهم ينظرون إليك بصفة تلقائية على أنك شخص يؤيد ويساعد هذه الجماعة”.
المدافع موجهة إلينا
كانت تل أبيض تخضع منذ كانون الثاني/ يناير 2014 لسيطرة تنظيم داعش الذي استولى على أجزاء كبيرة في سوريا والعراق، وأعلن “الخلافة” متباهياً بممارسة العنف المفرط الذي يعاقب به أعدائه.
وعاش معظم اللاجئين في معسكر مؤقت قرب بلدة أكاكالي أقامته السلطات التركية أكثر من عام تحت حكم الدولة الإسلامية. ولديهم القليل من الذكريات الجيدة رغم أنهم يقولون إنها فترة استقرار نسبي.
ووفقا لمسؤولين أتراك عاد نحو أربعة آلاف شخص. والباقون إما وضعوا في مخيمات لاجئين في أنحاء جنوب شرق تركيا أو سعوا للإقامة مع أقاربهم مثل 1.8 مليون لاجئ سوري آخرين تؤويهم تركيا الآن.
وقال سعيد إنه ما لم تترك الفصائل المسلحة الكردية منزله فإنه لا يخطط للعودة.
وأضاف أن “انعدام الثقة بين الأكراد والعرب قائم منذ أعوام. لكنهم الآن يتمتعون بميزة هي أن لديهم بنادق ومواسير مدافعهم موجهة إلينا.”
وقال وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر هذا الشهر إن واشنطن تدعم أكراد سوريا لأنهم “قادرون على التحرك” رغم أن مسؤولين أمريكيين قالوا أيضا إنهم لا يؤيدون كيانا كرديا منفصلا في شمال سوريا.
وصرح السفير الأمريكي لدى تركيا، جون باس، للصحافيين هذا الشهر بالقول: “نحن واضحون تماما في توصيل توقعاتنا إلى (الأكراد السوريين) في المناطق التي طردوا منها داعش عبر الحدود” مؤكدا أنه يجب أن يسمح للمدنيين النازحين بالعودة”.
وفي الحرب الأهلية متعددة الأطراف في سوريا، تجنب الأكراد غالبا الصراع مع حكومة الرئيس بشار الأسد وإن كانت وحدات حماية الشعب تقول إنها لا تتعاون مع دمشق. ويشتبه بعض العرب والتركمان في أن الأكراد بينهم اتفاق ضمني مع الأسد.
وقال لاجئ آخر يدعى خليل (32 عاما) أعدم تنظيم داعش ابن عمه هذا العام وطلب عدم استخدام اسم عائلته لأسباب أمنية: “لقد نجوا من الأسد”.
وأضاف وهو يرتشف الشاي ويدخن سيجارة “الأسد نفذ كل أنواع الفظائع ضد العديد من الجماعات لكنه لم يمس الأكراد. لماذا؟”
وقال “أمريكا التي لم تساعد عرب سوريا على الإطلاق ولم تقدم لنا أسلحة نحمي بها أنفسنا ضد بشار (الأسد) تقوم الآن بتسليح الأكراد. وهم يستخدمون ذلك ضدنا.”