تناول خطاب العرش لسنة 2015 الوضعية الاجتماعية الصعبة التي يعيشها سكان البوادي المغربية . ولن يجادل أحدا أو يلاجج حول مستوى الهشاشة التي وصل إليها هؤلاء السكان ، لكن يجب التنويه إلى أن أحياءا كثيرة في مدننا يعيش فيها المواطنين عيشة لا تليق حتى بالبهائم بل ووتراجع فيها الخدمات الاجتماعية بشكل قد يفوق أحيانا البوادي المغربية وقد تصبح الحياة في هذه البوادي أحسن بكثير من غيتوهات تنعدم فيها أبسط شروط الوقاية الصحية والعيش بكرامة . وهذا ما يحيلنا على سؤال مهم هو لماذا أنتج نموذجنا التنموي ( هذا إذا كان لنا نموذج ) كل هذه الاختلالات ؟
الملفت للنظر أن جل المجهودات التي تقوم بها بلادنا للنهوض بالواقع الاجتماعي تفرز المزيد من الطبقية وتزيد من توسع الهوة بين الفقراء الذين يزدادون فقرا وهشاشة وبين الأغنياء اللذين يزدادون غنا وترفا وهو ما يطرح بإلحاح سؤال السبيل الذي علينا اتباعه . فهل يجب الاهتمام بمحاربة الفقر والهشاشة أم مواجهة جشع الجشعين وفساد الفاسدين الذين لا يفكرون إلا في مصالحهم لتكديس المزيد من الأموال حتى يزدادوا غنى ونعم موفورة والزائدة عن اللزوم تعني وحتى لو نطلب منهم الأمر تضييع حقوق الآخرين؟! .
إن الهشاشة في المدن المغربية مرتبطة في جزء كبير منها بالوضع المأسوي الذي يعاني منه العالم القروي ويؤدي للهجرة المكثفة ليد عاملة كان من المفروض أن تساهم في النهوض بالعالم القروي وبالتأكيد لن نستطيع تصحيح الأوضاع ومواجهة الاختلالات المتصاعدة بحدة إذا لم نواجهها في المصدر والمنبع أي في البوادي وأهم هذه الاختلالات تلك التي أدت وما زالت تؤدي إلى فقدان المجتمع القروي للقدرة على تحقيق اكتفائه الذاتي والنهوض بأوضاعه . العالم الفلاحي يكون هو الخاسر الأكبر من التقلبات المناخية فإذا شحت الأمطار تضرر الفلاح واليد العاملة الفلاحية وإذا جادت السماء وحصل الفلاح على منتوج وفير أدت الوفرة إلى انهيار الأثمان كما حدث هذا العام . الفلاح حتى وهو يحقق أرباحا فإنها تكون ضئيلة بالمقارنة مع سماسرة السوق الذي يربحون من دون جهد أضعاف أضعاف ما يربحه الفلاح . نعم طيلة بذلنا مجهودات كبيرة لتطوير فلاحتنا ولكن استفاذ منها بالأساس الفلاحين الكبار وجلهم لا ينتمي للعالم القروي هؤلاء يجنون اليوم أموالا طائلة ويستفيذون من تسهيلات ضرائبية مهمة . مقابل إحداث إضرار كبير بالبنية الفلاحية التقليدية من دون أن تكون للبنية البديلة القدرة ولا عند أصحابها النية في تطوير المجتمع القروي فهم ينظرون إلى سكان البوادي فقط كمادة خام ليد عاملة فلاحية رخيصة . وللأسف الشديد أنه في خضم حمى الجشع الذي أصاب كبار الفلاحين لم يتم الانتباه إلى الثمن الغالي جدا الذي تدفعه بلادنا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي والإنساني. نعم من المؤسف حقا أن من بين كل الخيارات التنموية للنهوض بالعالم القروي اخترنا الأسوأ . ففي خضم أزمة الماء وندرته نصدر الماء من خلال الفلاحة التسويقية على شكل طماطم وبرتقال ووو ونعطش العديد من سكان البوادي الذين تغور ماء آبارهم بسبب سوء استعمال الماء في السقي فدمرت الفلاحة التقليدية وهلك الحرث والنسل ( البهائم) وحصل خصاص كبير في الماء الشروب مما جعل الكثير من الفلاحين وسكان البوادي يهاجرون لضواحي المدن مهملين حقولهم وأراضيهم ( نموذج سوس صارخ في هذا المجال) .
نعم حين كان يتعين علينا اختيار الطرائق التنموية التي تؤدي إلي الاكتفاء والاستقلال الذاتي للفلاحين وعوض انتهاج السبل التي تقوي التعاون والعلاقات الاجتماعية والتآزر والتضامن اتبعنا العكس أي نهجنا سبل تقوية هيمنة التجاري التسويقي واتبعنا السبل التي تهدم كل هذه الاجتماعية والقيم التي كان يزخر بها هذا العالم وتشكل موروثه أو رأسماله اللامادي.
نحن في حاجة إلى إعادة النظر في نهجنا التنموي والابتعاد عن التجريبية والالتقاطية واتباع توجيهات و”نصائح ” البنك الدولي والأوليغارشيا العالمية وإلى أن يتم ذلك سنظل تراكم الاختلالات ونقف بين الفينة والأخرى لنقول لماذا بعد كل المجهودات التنموية التي نقوم بها في بلادنا يزداد الفقر وتزداد الهشاشة ونبحث عن أين ذهبت الثروة وهي في الواقع قد كدستها الأولغارشا المحلية في البنوك السويسرية وفي الجنات الضريبية في بلاد ما وراء البحار . الرأسمال اللامادي علمنا أن أجدادنا لم يكونوا يلبسون إلا ما يحيكون ولا يأكلون إلا ما يزرعون . لم يكونوا يعرفون المانغا ولا الأناناس ولكن كانوا يأكلون القمح الصلب ذي الجودة الغدائية العالية والشعير وزيت الزيتون وزيت أرغان الذي حرم منه المغاربة بعدما تحول إلى منتوج تجميلي يستفيذ منه كبار المستثمرين وشركات المواد التجميلية.
تعليقات الزوار