“سنة 2010م لحظة فارقة في مسار البحث الأثري الميداني للباحث الأركيولوجي الأستاذ الدكتور عبد الله فلي”.

ذ/ عبد الغني لزرك ، البئر الجديد

اعتبرت سنة 2010م لحظة من لحظات الانتشاء والتتويج في مسار البحث الأثري الميداني للباحث الأستاذ عبد الله فلي ، نظرا للمجهودات البحثية الميدانية المضنية التي قام بها بمنطقة” أغمات” في إقليم الحوز جهة  مراكش أسفي، رفقة مجموعة من الباحثين الأثريين المغاربة والغربيين ، من أبرزهم الأمريكي رولاند ميسي، بالإضافة لأساتذة من المعهد الوطني لعلوم الآثار.

نظرا لما تختزنه منطقة أغمات من زخم تاريخي هام في تاريخ المغرب خاصة خلال العصر الوسيط زمن الأدارسة والمرابطين والموحدين، وتشبت الأستاذ فلي بفكرة القيام بأبحاث أثرية بالمنطقة، لما له من دراية خاصة بتاريخ  العصر الوسيط وبالعمل الميداني وهي الفكرة التي راودته وتشبع وعمل بها منذ تحضيره لأطروحة الدكتوراه بالديار الفرنسية الموسومة بعنوان”

Des textes aux Tessons: la cramique médiévales de l’occident musulman à travers le corpus mérinide de Fès ( Maroc – XIVè siècle)”.1/4 , Université Lumière-Lyon-II ,2001

من النصوص إلى الشظايا: الخزف في العصور الوسطى في الغرب الإسلامي من خلال مجموعة المرينيين في فاس (المغرب – القرن الرابع عشر)” 4 أجزاء، بجامعة لميير – ليون الثانية سنة 2001م.  والتي تمحورت مابين النصوص المكتوبة والعمل الأثري الميداني فيما يتعلق بمسألة الخزف بالغرب الإسلامي من خلال المرينيين بفاس خلال العصر الوسيط (القرن 14م). هذا  التوجه البحثي،  والذي زاوج فيه الأستاذ فلي مابين ماهو مكتوب وماهو أثري،سيتم المواصلة عليه وترجمته على أرض الواقع منذ بداية الألفينيات من هذا القرن وبالضبط سنة 2005م، وذلك من الانتقال من الخزف بفاس إلى اكتشاف حمام وقصر أثري بأغمات، وكأن الباحث يعيد كتابة التاريخ بمقاربة أثرية ميدانية جديدة تكشف بعض  المغالطات أو تسد بعض الثغرات التي تركتها الكتابات والدراسات  السابقة.

ابتدأت الأبحاث الأثرية بمنطقة أغمات منذ سنة 2005م، حيث انتهت مرحلتها الأولى سنة 2008م، وبدأت مرحلة أخرى في السنة الموالية سنة 2009م، للإشارة هذه الأبحاث الأثرية تضمنت شراكة مابين المعهد الأمريكي والمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط. وفي سنة 2010م توجت هذه الأبحاث باكتشاف حمام يعود للقرن 10م  ثم قصر يعود للقرن 14م،  حدد  من خلاله الفريق الأثري معالم المعلمتين الأثريتين بعد مجهودات ميدانية مضنية دامت زهاء خمس سنوات ،من  2005م إلى 2010م. ومن المفاجأت السارة التي حملها الاكتشاف، فقد أكد فريق البحث الأثري المكون من الأستاذ عبد الله فلي ورولاند ميسي وبعض أساتذة المعهد الوطني لعلوم الآثار وجمعية المعهد الوطني لعلوم الآثار، أن الحمام المكتشف يعتبر من أقدم الحمامات التي عرفتها منطقة الغرب الإسلامي.

حسب ماتوصل إليه  الفريق الأثري المكتشف للمكان فقد بلغت مساحة الحمام حوالي 13مترا مربعا وثلاثة غرف، وأن وظيفته كانت الاستحمام منذ بنائه في القرن 10م، وبعد مرور أربعة قرون خلال القرن 14م، أصبح المكان مصنعا للأوعية الفخارية .

لا ننس أنه تم اتخاذ كافة الإجراءات للعناية بهذه المعالم الأثرية (الحمام والقصر)، حتى تكون وجهة سياحية بامتياز شاهدة على تاريخ بلادنا.

إن اهتمام الباحث الأركيولوجي عبد الله فلي بالأبحاث الأثرية بمنطقة أغمات لم يكن من محض الصدفة، وإنما راجع من إرادة الباحث وأمله من أن المنطقة قيمتها التاريخية تفوق ماذكر من إشارات ونثف مصدرية خلال العصر الوسيط وأن الوقوف عليها يتطلب مجهودا كبيرا وإمكانيات هائلة وعمل جماعي مستمر  وطموح ومثابر بلا كلل،  وهو ماتحقق بالفعل سنة 2010م،  السنة التي أعادت أغمات للواجهة ولدورها التاريخي وماكانت تقوم به على الصعيد الاقتصادي في تاريخ المغرب، باعتبارها محطة عبور لمعظم القوافل التجارية العابرة للصحراء، بل حتى دورها السياسي زمن المرابطين وإمارة المغراويين وما اطلعت به  من دور هام، بالإضافة إلى أنها كانت منفى لبعض أمراء الطوائف بالأندلس كالمعتمد بن عباد وعبد الله بواخين الزيري.

إن اكتشاف حمام وقصر  بمنطقة أغمات اعتبرت لحظة فارقة في مسار البحث الأثري الميداني للباحث الأركيولوجي عبد الله فلي، الذي استطاع إحياء تاريخ أغمات التليد بأبحاث ميدانية  ملموسة، اعتبرت إضافة نوعية وهامة للكتابات والدراسات،بل للمصادر الوسيطية التي تناولت المنطقة، وإعادة النظر في مجموعة من الأحكام والمسائل التي دونت في حق تاريخ  أغمات. وأن طمر الأتربة لمعالم المكان رغم مرور حقب كثيرة ، لم يمنع بالقيام بحفريات جديدة في أغمات باعتبارها خليط ثقافي عربي أمازيغي خالص.

إذا استطاع الباحث الأركيولوجي الأستاذ عبد الله فلي أن يطوف ميدانيا بمجموعة من المدن المغربية، من فاس إلى مراكش إلى تارودانت والجديدة… ،ترى هل سيستمر الباحث الأستاذ فلي في مشروعه الأثري الضخم الذي شمل المدن المذكورة ،بالانتقال لمدن ومناطق مغربية أخرى…؟وهل سيستطيع إقناع مؤرخين وباحثين ودارسين تاريخ المغرب خلال  العصر الوسيط إعادة النظر فيما كتبوه، من خلال مدهم بنتائج أثرية ميدانية جديدة؟ وهل للباحث من القدرة والجهد على مواصلة تغطيته الأثرية لباقي مناطق ومدن المغرب ؟ هذا المشروع الأثري الذي يحمل أعمال أثرية ميدانية منجزة  ضمت الخزف بفاس زمن المرينيين واكتشاف حمام وقصر  بأغمات وأبحاث في  تيط ــ ن ــ فطر بمركز مولاي عبد الله أمغار بدكالة، وأبحاث أثرية في تينمل بالأطلس الكبير، وموقع إيكليز في أرغن (هرغة) بالأطلس الصغير…،

هذه  التساؤلات متروكة للباحث نفسه وللأيام والشهور والأعوام القادمة الكفيلة بالإجابة عليها، ولايتحقق هذا العمل الأثري الضخم إلا بمواصلة العمل الجماعي للفريق الأثري الذي اشتغل مع بعضه البعض سنوات طوال، بصبر ومثابرة،  تحت شعار ” العمل جماعي والمسؤولية فردية” حتى يتسنى لنا في نهاية المطاف إعادة قراءة تاريخ بلادنا  ودراسته بمقاربات جديدة نخلص إليها من خلال نتائج البحث الأثري الميداني.

 

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد