ماذا تريد إيران من الساحتين الفلسطينية واللبنانية؟ بل ماذا تريد من باقي الساحات في المنطقة؟

بقلم الإعلامية حنان رحاب

بقلم الإعلامية حنان رحاب

في الآونة الأخيرة، وتزامنا مع ما يقع في منطقة الشرق الأوسط من أهوال الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب ضد المدنيين في غزة وما يقع في لبنان، عاد النقاش إلى الواجهة حول أدوار إيران الإقليمية، وللأسف فإن الكثير من النقاشات الملغومة طفت على السطح.

ومن تلك الألغام، المقارنة بين إيران وإسرائيل، بخلفية الاختيار بين أحدهما. فيتم استغلال ما تقوم به إسرائيل من جرائم حرب (لا يمكن لأي صاحب ضمير يقظ إلا أن يدينها، ولا لأي دولة تحترم الاحتكام إلى مبادئ القانون الدولي والسلم العالمي، إلا أن تسعى لوقف هذه الاعتداءات، وبناء جسور للمسارات السلمية على قاعدة الانطلاق من حل الدولتين أفقا ممكنا) من أجل تصوير إيران دولة تنتصر للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، كونها “تدعم” الفصائل المسلحة التي تتصدر مشهدية الكفاح المسلح…

@وهكذا تبنى مغالطة مفادها: إذا كنت ضد جرائم الاحتلال الصهيوني، فبالضرورة يجب أن تساند إيران، باعتبارها رأس الحربة في “مواجهة” المشروع الإسرائلي .

إن هذه المانوية المستحكمة في شعور الكثيرين، ومنهم من يغلفها بادعاءات علموية، ومنهم من يغطيها بدثار لاهوتي، ومنهم من تقوده الحماسة وحدها نحو الاستنتاج الخاطئ بأنه بالفعل لا خيار ثالثا بين المشروع الإسرائيلي، وبين المشروع الإيرانو-فارسي، وهذا الاستنتاج الخاطئ يقود بدوره إلى معادلة صفرية، تقضي بالاختيار بين أهون الشرين. والبديهة، سواء بالمعنى الأخلاقي، أو بالمعنى السياسي، لا تفرض بالضرورة الاختيار بين شرين، بل قد تجعل الخيار الأفضل هو رفض الشرين معا….

كانت منطقة الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مجالا لصراع المشاريع الجيوبولوتيكية، سواء بمنطلقات قومية، أو دينية، أو توسعية، وفي العقدين الأخيرين كادت هذه المشاريع تنحصر في الثلاثي: الإسرائيلي والإيراني والتركي، بعد تدهور العمل العربي المشترك لمستويات غير مسبوقة، وهو التدهور الذي ارتفعت حدته منذ الاجتياح العراقي للكويت، وما استتبعه من استباحة لعدة أقطار عربية عبر التدخلات الأجنبية المتعددة الأوجه….

ومنذ السابع من أكتوبر، تراجع الدور التركي لأسباب لا يسعنا الخوض فيها ( أبرزها انحياز حماس الكلي للمحور الإيراني، بعد أن كانت قياداتها مترددة بين المحور الإيراني والمحور القطري التركي)، وبقي الصراع بين المشروع الإسرائيلي المدعوم أمريكيا وأوروبيا، والمشروع الإيراني المسنود على استحياء من روسيا، التي هي بدورها في وضع لا تحسد عليه…

هل هذا يعني أن إيران بالفعل تدعم المقاومة الفلسطينية؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، يجدر أن نطرح سؤالا آخر، وهو: ما الخيار الذي يفضله الشعب الفلسطيني؟

إن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني لم يسقط، ولن يسقط بالتقادم، وعلى المجتمع الدولي مسؤولية حماية هذا الشعب، والضغط بكل السبل الممكنة من أجل بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، ودعم حقها في احترام سيادتها الكاملة، وهو ما يصطلح عليه بحل الدولتين، وهو الحل الذي يدعمه المغرب فعليا، ولذلك فليس ثمة فقط الخيارات المسلحة الصفرية، بل كذلك الخيارات السلمية التفاوضية على قاعدة التسويات العقلانية والمنصفة والممكنة، وذلك دفاعا عن حق الأجيال الحالية والقادمة، في العيش بأمان واستقرار مستدامين…

إن هذا يقودنا إلى طرح سؤال آخر: ماذا تريد إيران من الساحتين الفلسطينية واللبنانية؟ بل ماذا تريد من باقي الساحات في المنطقة؟

تشترك إيران حاليا مع إسرائيل (وخصوصا مع حكومة اليمين الديني المتطرف)، في العديد من السمات، برغم ما قد يبدو من تناقض بينهما، فكلتاهما دولتان توسعيتان (إسرائيل تحتل الجولان السوريا وتقتحم الضفة الغربية متى شاءت، وإيران تحتل ثلاثة جزر إماراتية، وتحتل بالنيابة عبر وكلائها مناطق شاسعة في لبنان وسوريا واليمن)، وكلتاهما دولتان تيوقراطيتان ( إيران عبر ولاية الفقيه، وإسرائيل عبر قانون يهودية الدولة)، وكلتاهما دولتان تمارسان العنصرية ضد جزء من مواطنيها ( أوضاع عرب القدس و48 لا تختلف عن أوضاع سكان منطقة الأهواز بإيران)….

 

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد