ريتاج بريس
في زحمة القلق والتوترات اليومية، يصعب إيجاد التوازن مع أنفسنا مع محيطنا مع العالم كله. يصادق الفنان بتجربته الخاصة من موطنه الخاص وحتى من داخل ضيق الفضاء الذي يلهمه مساراته، تتسع الصباغة عنده إلى رحاب التقاطعات داخل التوزيع الهندسي للوحة وخصوصية الألوان حين تغازل نفسها وتتحدى الأفكار الجاهزة.
الفنان ينسج عالمه الروحي الممزوج بالصمت والتجاوز امتدادا للأشكال والسمو أو الرقي بهذا الإحساس الذي يعطي معنا للحياة ومصداقية لهذه المباحث، ليختبر وقع الألوان وتناغمها وانسجامها مع الأشكال المتفاوتة التأليف، وليشتق مادة رسمه مما يجول في باطنه من انفعالات وفي ذاكرته من ذكريات وفي مخيلته من رأى، وهو ما يشكله الفنان في عالمه هذا داخل لوحاته، فمن تأملات وجودية مفتوحة على تأويلات متعددة إلى متغيرات الذات، والنظر في مرحلة حركية الشخوص ببنيتها وصراعها الوجودي تم الاستغلال الدال على العلامات البصرية وإيحاءات العين وكتلة الأحاسيس، لا تنفك تحمل في طياتها حقائق إنسانية يجدر التوقف عندها وتبنيها، إنها خاصية تترجم لنا رمزية مكوار التي ترفض الانصياع إلى قلقها الداخلي ولكنها تبوح به بأسلوب أنيق وصادق حتى وإن كان يميل إلى سحر بصري، مبالغ فيه أحيانا، يفصح عن ما يسكن صدر هذا الفنان من هواجس وآلام، آفاق وأحلام، لأنه لن يتبقى لنا سوى الأحلام لنبني لأنفسنا جسرا للتواصل والتفاعل، لقد اكتشف الفنان في حواريته مع الصوفية وهي موضوع أعماله الجديدة، اكتشافا مذهلا: الحلم كقوة الفنان اللاواعية: الحلم كآلة خلاقة للأشكال بل وكشرط لكل إبداع تشكيلي فيه يحقق الفنان حميميته مع ذاته كمركز ثابت، يثبت ذاته ويثبت العالم حوله، من هنا يصير الفن مع الفنان مفتاحا ودليلا لولوج حياة العالم الجوهرية، ويصير موضوعه الحق، ليس الكائن البشري الذي يبدع هذا الفن وإنما عمق العالم لا كخلاص ولا كجشع ولا كمكابدة لا سكون فيها، وإنما كفرح وغبطة يترنح فيها بين النشوة والتذوق، خارج الزمن لا يملك الفنان منها سوى ترنحاته وشطحاته لأنها تصبح عنده أهم من المنجز.
يعطي الفنان بصمته وتصوره للمستقبل الفني في زمنه، فمشاريعه الفنية تصب جميعها في تبسيط الأشكال وروحانية الألوان من أجل فتح حوار تشكيلي يوصلنا إلى البراءة والتلقائية التي ينطق بها الأطفال أو الحكماء.
حميد السالمي
افتتاح معرض مكرار التشكيلي بالرباط
احتضن رواق باب الكبير في قصبة الأوداية بالرباط، أمس الثلاثاء، معرضا فنيا للفنان التشكيلي محمد مكوار تحت عنوان “الطريق”. حيث يواصل الفنان، من خلال هذا المعرض الذي يستمر في استقبال عشاق الفن التشكيلي إلى غاية 24 من شتنبر الجاري، تكريس مشروعه الفني الداعي للاستمرارية والاستدامة التي يجب أن تكون عليها العلاقة بين الفن والمتلقي، من خلال اعتماد تقنيات مختلطة ودمج عناصر مختلفة.
ويمثل هذا المعرض، حسب المنظمين، محطة جديدة في مسار محمد مكوار، حيث يقدم فيها الفنان التشكيلي، من خلال خمسين عملا، تجربة فريدة تمزج بين التأمل الروحي والتعبير الفني من خلال استكشاف العلاقة بين الجسد والمادة.
وقد نجح محمد مكوار في هذه المحطة من “طريقه” الفني الطويل، في تحقيق توازن فريد بين الرسم والخط والتمزيق واللصق وإعادة تثبيت المواد، جاعلا من لوحاته فضاءات تزخر بتمظهرات جمالية في غاية التناسق.
وعن عنوان المعرض، قال الفنان التشكيلي محمد مكوار، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنه اختار وسم “الطريق” في إحالة إلى “الاستمرارية في المسار الذي سلكه من خلال المعارض السابقة”، والذي يسعى من خلاله إلى إبراز “الطابع الصوفي في أعماله”.
وأضاف أنه يعتمد الأسلوب التعبيري في رسم لوحاته، كونه “يتيح الدمج بين عناصر ومواد مختلفة، دون الإخلال بالقيمة الجمالية لأي من هذه المكونات”، موضحا أن “بعض التعبيرات الفنية التي يلجأ إلى استخدامها، مثل الخط العربي، قد لا تجد لها المساحة الكافية فنيا في أساليب فنية أخرى كالتجريد مثلا”.
ويعتبر محمد مكوار، الذي ولد في الرباط سنة 1962، من الفنانين الذين ساهموا في إثراء المشهد الفني المغربي بأعمالهم الفريدة والمبتكرة التي تتسم بتقنيات التقطيع والتجميع والتراكيب المبتكرة والمزج بين الألوان والخامات لخلق توازنات بصرية وتعابير عاطفية.
وشارك الفنان التشكيلي، الذي انطلقت مسيرته الفنية في بداية الثمانينيات، في أكثر من 30 معرضا جماعيا، كما نظم 17 معرضا فرديا.