تقرير علمي يأكد أن ظاهرة احتراق ترسبات الخث (Tourbe) بمنطقة تنكارف بإقليم أزيلال لا علاقة لها بأي بركان خامد كما يشاع بالمنطقة

 

 ريتاج بريس  : محمد الدريهم

تفاعلا مع كل الظواهر الطبيعية والمناخية التي يعرفها مجال جيوبارك مكون العالمي ومحيطه المباشر و بالأخص مع ظاهرة تصاعد دخانٍ من أرضٍ منبسطة بإحدى المناطق المخصصة أساسا لرعي الماشية  بمنطقة تنكارف، التابعة لقيادة تاكلفت بإقليم أزيلال، و التي رافقتها خلال الأسابيع القليلة الفارطة, تنبؤاتٌ وفرضيات عامّية بخصوص السبب الواقف وراء هذه الظاهرة  التي خلقت حالة من القلق في صفوف الساكنة المحلية، خصوصا مع عدم وضوحِ بما يتعلق الأمر تحديدا من الناحية العلمية، حيث فتح غياب توضيحات رسمية في هذا الإطار البابَ أمام الشائعات التي تفاوتت في وصف الأمر بأنه يحيل على “بركان خامد” أو “انصهار معدني”, قام فريق علمي تابع لجمعية جيوبارك مكون ، بإجراء زيارة ودراسة علمية لموقع الاحتراق الطبيعي  لمراعي تنكارف بإقليم أزيلال و ذلك بطلب وبتنسيق مع السلطات الإقليمية.

حسب التقرير العلمي الذي نشره الفريق العلمي “لجيوبارك مكون” المكون من محمد بوتكيوط  دكتور وباحث في الجيولوجيا رئيس اللجنة الوطنية للجيوبارك، رئيس اللجنة العلمية لجيوبارك مكون   ونائب رئيس الشبكة الافريقية لجيومنتزهات اليونسكو, عبد اللطيف سهيل  دكتور وباحث متخصص في الجيولوجيا البنيوية  والتوضعات الرسوبية وعضو اللجنة العلمية لجيوبارك مكون, إدريس اشبال  باحث في سلك الدكتورة  رئيس جمعية جيوبارك مكون  وعضو اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة  وعضو المكتب التنفيذي للشبكة العالمية لجيومنتزهات اليونسكو و إبراهيم نايت اوعشى  طالب باحث في سلك الدكتورة   وعضو الفريق العلمي  لجيوبارك مكون، نائب أمين جمعية جيوبارك مكون و اعتمادا على الخريطة الطبوغرافية 1/50.000 إتضح للفريق العلمي أن الامر يتعلق بمنخفض ” مقعر” داخل بنية ملتوية  محاط بسفوح جبلية  مكونة  من الدوغر  الجوراسي  والطبقات الكلسية الترياسية، على ارتفاع 2300 متر من سطح البحر، مشكلا ضاية  تغذيها تلاث منابع مائية على مساحة تقدر بحوالي  2 هكتار  تخترقه الطريق الرابطة بين  جماعة تاكلفت وجماعة أنركي.

وبالاعتماد على الخريطة الجيولوجية لاميلشيل  ” لعثمان فاضيل”  , حسب نفس التقرير, إتضح للفريق أنه أمام مجال  قديم مستقر عبارة عن مقعر  محاط  بسفح غربي مكون من صخور الدوغر،  وسفح شمالي مكون من صخور الكلس الترياسي،  ويتضمن المقعر كتل من الكابرو الصاعدة  والتي ترجع الى الحقبة الجوراسية مشكلة مع الكلس الترياسي   قاعدة مقعر تنكارف. و في نفس السياق و وبالاعتماد على صور الأقمار الصناعية لسنوات 2007-2013-2015-2019 و 2020   اتضح له كذلك بأن المقعر تغذيه منابع مائية  رئيسية وعددها تلاث منابع  مهمة  تساهم في ضمان الغمر المائي للمنخفض،  بحيث يرتفع مستوى المياه بحسب كمية  التساقطات الثلجية والمطرية وبحسب الفصول  مما ساهم في تطور غطاء نباتي  مهم ساهم وعلى مدى مئات السنين في تشكيل طبقة من الخث التي شكات مرعى صيفي لمربي المواشي بالمنطقة،  ومع مرور السنين تعرضت النبتات المشكلة لسطح المنخفض للتحلل  وتشكل طبقة من الخث بعمق متفاوت يصل في اقصى الحالات 50 سنتم.

للتأكد من كل هذه الفرضيات العلمية، قام الفريق العلمي بزيارة ميدانية للموقع حيث تم أخد القياسات وضبط سمك طبقة الخث المعنية ليتأكد له من خلال إجراء مقطع جيولوجي لمنخفض تنكارف ان المنطقة تتواجد داخل المجال الأطلسي المستقر بقاعدة صخرية جد صلبة تعود للزمن الجيولوجي الثاني ولا علاقة لها بالصخور والتشكلات الكارستية او البركانية.

هذا وقد تم حصر مجال تشكلات الخث في 1.5 هكتار، وبعد إنجاز الحفر لأخد القياسات تبين ان سمك الخث لا يتجاوز في أفضل الحالات 50 سنتم تشكلت فوق طبقة كلسية ترياسيه غير نافدة لازالت تحتفظ برطوبتها وتشبعها بالمياه، وهو ما يفسر تشكل ضاية كبيرة غنية بالمواد العضوية مشكلتا مجالا رطبا سمح بنمو النباتات بشكل كثيف.

وقد جاء في نفس التقرير العلمي بأن الغطاء النباتي للضاية تعرض عبر مئات السنين لتحلل الجدور والأوراق والاغصان مشكلا طبقة الخث المعني بالاحتراق. وتعلو هاته الطبقة قشرة من الطين الناتج عن جرف المياه من السفوح المجاورة لا يتجاوز سمكها بضع سنتمترات.

ونتيجة للتغيرات المناخية وتوالي سنوات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف الحالي 2024 حسب التقريرالعلمي، لوحظ نضوب شبه كلي للمنابع المائية، وتعرض منخفض تنكارف للتجفيف، أدى إلى انتفاخ الطبقة الاسفنجية للخث، وتعرضها للتشقق وبالتالي دخول الاكسيجين من بين الشقوق مما سهل احتراق المواد العضوية المركزة والغنية بالكاربون والمصدرة لغاز الميتان على شاكلت التفاعلات التي تعرفها مطارح النفايات المنزلية.

على ضوء كل هذه المعطيات العلمية إذن, خلص الفريق العلمي لجيوبارك مكون للقول أن الامر يتعلق بقاعدة جيولوجية صلبة، مكونة من صخور تعود الى الزمن الجيولوجي الثاني ” الترياس والجوراسي  بمستوياته المختلفة” ،  ولا تشكل أي خطر على البيئة والانسان  ولا علاقة لهذا الاحتراق بأي نشاط بركاني, و أن موقع المنخفض ومكان الاحتراق  بعيد عن المجالات الغابوية  وعن الاستقرار السكاني  باستثناء الرعاة الذين ألفوا الرعي بهذا الموقع الغني بالأعشاب  والذي يشكل مجالا صيفيا مميزا لمربي الماشية في إطار منظومة ألمو/ أزغار أو الترحال بين مراعي الدير شتاء  ومراعي الجبال صيفا و أن عملية الاحتراق تتم بشكل بطيء، كما هو الحال بالنسبة لمنظومة الخث بكل مناطق العالم مصدرا دخان ابيض خفيف مع  نسب قليلة من غاز الميتان.

بناء على هذه الخلاصات و النتائج العلمية التي وصل اليها الفريق العلمي المذكور, أوصى هذا الأخير بأنه لوحظ توافد عدد من الأطفال والشباب على الموقع بدون ايت حماية من قبيل اخد الكمامات الواقية  والاحدية  المهنية لتفادي أي تسمم بالدخان  والغازات او التعرض للحروق, كما أن هناك تواجد مهم للرعاة  صحبة قطعان كبيرة  من الأغنام والمعاز  يقتضي تنبيههم  لخطورة  الاقتراب من موقع الاحتراق والنبش في مصادر خروج الدخان والغازات مع ضرورة وضع  يافطة علمية  من قبيل اللوحات العلمية للمواقع الجيوسياحية لجيوبارك مكون، لتعريف الوافدين من سياح و ساكنة مجاورة  بخطورة رمي السجائر او وضع مواقد نارية  للطبخ  داخل مجال ضاية تنكارف  خاصة خلال فصل الصيف  لتفادي الاحتراق.

وقد أكد الفريق العلمي في ختام تقريره الصادر خلال الأسبوع الأخير أنه في حال تساقط الامطار وعودة الجريان المائي السطحي إلى وضعه الطبيعي وعودة مستويات الإماهة او التشبع المائي لطبقة الخث ستعود الأمور الى حالتها الطبيعية.

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد