بدأت الحكومة الفرنسية العمل على تأسيس رابطة وطنية للخبازين تتولى الإشراف على إعداد ملف “الباغيت” الذي تعتزم تقديمه لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، حيث تشترط المنظمة الدولية وجود هيئة مسؤولة عن أيّ عنصر ترغب إحدى الدول بإدراجه في قائمة التراث العالمي. وتتواصل جهود فرنسية حكومية وشعبية لتسجيل الخبز الفرنسي الطويل “الباغيت“، أحد الرموز الفرنسية الشهيرة، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في اليونسكو، وهي جهود تحتاج لما لا يقل عن العامين من العمل المتواصل لتلبية اشتراطات ومعايير التسجيل الدقيقة.
وقال عدد من أصحاب المخابز الفرنسية في باريس، إنهم استلهموا الفكرة من نجاح مدينة نابولي بتسجيل فن صنع البيتزا الإيطالية النابولية في قائمة التراث العالمي في ديسمبر 2017، كجزء من الثقافة الإيطالية والإنسانية وفن الطعام المرتبط بها. ووفقاً لمالك أحد مخابز الدائرة الباريسية الـ 16 سيلفيان جيغوت، فإنّ مُطالبات التسجيل هذه لا تتعلق فقط بـِ “الباغيت” من ناحية الشكل والمذاق، بل إنّ الأميّز هو الوصفة والطريقة والمكوّنات التي يستخدمها الفرنسيون لإعداد هذا الخبز الأشهر، إضافة للخبرة الطويلة وتقاليد الإنتاج العريقة منذ مئات السنين.
وتكشف الوثائق التاريخية عن أسرار كثيرة وقصص مُثيرة حول الخبز الفرنسي منذ عام 950، مروراً بالثورة الفرنسية حيث كان يتم تصنيع الخبز وفقاً للدرجة الاجتماعية، فيما شهدت فرنسا أزمة كبرى في تصنيع الخبز خلال الحرب العالمية الثانية نتيجة الاحتلال النازي. ومن جهته كشف المؤرخ الفرنسي ستيفن كابلان عن وجود 3 أنواع من الخبز قبيل الثورة الفرنسية، فالخبز الأبيض للأغنياء، الخبز الرملي للطبقة المتوسطة، والخبز الرمادي للفقراء، ليشهد المجتمع الفرنسي إثر ذلك مطالبات كثيرة من قبل الشعب للحصول على نفس جودة الخبز، وليتم لاحقاً إطلاق مشروع “خبز المساواة” ما بين مؤيّد ومُعارض.
وأكد الخبّاز الفرنسي، من أصل تونسي، كريم بيكار، إلى أهمية تسجيل “الباغيت” لحماية التميّز الفرنسي في ظل المخاوف من محاولات بعض الدول الأوروبية الأخرى لتقليد الخبز الفرنسي الطويل، فضلاً عن استيراد البعض للـ “الباغيت” مُجمّداً من دول أخرى، بدون اتباع قواعد فن “الباغيت” الفرنسي العريق. وكان العام 2010، قد شهد دخول أوّل مطبخ في العالم قائمة التراث غير المادي في اليونسكو، وهو “فن المطبخ الفرنسي”، حيث وصفته المنظمة الدولية بأنّ ينبع من ممارسة اجتماعية تقليدية تهدف إلى الاحتفاء بأهم الذكريات في حياة الأفراد والمجتمع الفرنسي، ويساهم في التنوع الثقافي.
وتُعتبر التقاليد وأشكال التعبير الشفوي والعروض الفنية والخبرات ذات الصلة بالصناعات التقليدية والممارسات الاجتماعية والتظاهرات الاحتفالية والمعارف المتعلقة بالطبيعة، عناصر يمكن تسجيلها في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية. فالتراث الثقافي غير المادي تراث يتم نقله من جيل لآخر، ويولد شعوراً بالهوية الوطنية والاستمرارية، مُساهما بذلك في تعزيز احترام التنوع الثقافي والإبداع البشري، وهو يختلف عن التراث المادي الذي يشمل المباني والأماكن التاريخية والآثار والتحف وغيرها