الشيطان المسن..

بقلم مريم بنعلي

احمل حقيبتي، متوجهة لمدينة في الضاحية حيث وجدت استوديو ب 250 اورو عبر موقعle boncoin للإعلانات الصغيرة…
احمل معي مالا في جيبي، وحزنا في قلبي، فقد تعرضت للسرقة من طرف شريكتي في الغرفة المغربية الجنسية.
لقد اتفقت مع صاحب الغرفة الجديدة التونسي في الهاتف ولم يبقى سوى ان انقل اشيائي واستلم المفتاح واعطيه شهرا مسبقا. تحذرني صديقة كاريبية ان انتبه جيدا لان الثمن رخيص جدا مقارنة بأسعار الكراء بتلك المدينة، كما ان المالك لم يطلب شهورا مسبقة وحدد الموعد في الثامنة ليلا.
اعطيها العنوان واعدها ان اتصل بها ان احسست بالخطر ولا آخذ تحذيراتها على محمل الجد: لقد ذكر المالك انه متزوج ويسكن في مكان آخر مع زوجته وابنائه وكان ينطق كلمات مطمئنة “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته” “ان شاء الله ابنتي” “الحي آمن، انا لا ارضى الضرر على مسلمة” الخ…
وصلت لتلك المدينة، التقاني المالك الستيني في محطة القطار RER مد يده ليصافحني، ولم اشعر بأية نية مبيته.
مشينا مسافة على الاقدام ثم صعدنا في العمارة. دخلنا الغرفة التي مساحتها 9 امتار وبها مطبخ متصل بالغرفة وحمام. لا بأس، اريد فقط ان اغلق بابي علي و انام في امان. امنحه المال فيقول لي: لسنا مستعجلين، لقد جهزت لك اكلا، سنتعشى معا. اجيبه: اعتذر لكنني اكلت خارجا، اريد فقط ان انام.
– تفضلي نامي
-شكرا لقدومك، يمكنني الان البقاء وحدي.
-لكنني سأنام هنا استثناء هذه الليلة لأنني لا يمكنني السفر الان للبيت، فانا مريض وسأصل متأخرا.
-لقد سألتك في الهاتف ان كنت سأسكن وحدي في الغرفة فأكدت لي ذلك، كما انك لم تخبرني انك ستضطر لتبيت هنا، كان بإمكاني القدوم اليوم باكرا او غدا صباحا.
-اجل انا على اتفاقنا بيد انه حصل استثناء.
– اسفة انا مرتبطة و خطيبي لن يوافق ان نبيت معا
– هذا بيتي، ان لم تشائي ارحلي
– حرام عليك ان تحضرني في الليل وتخرجني في هذا الوقت.اين سأبيت؟ اهذه هي الاخوة في العروبة والاسلام ؟ لم لم تخبرني قبل ان اخذ القطار واتي هنا؟ واترك الغرفة الاخرى؟ اتسمح لك رجولتك تغلب على امرأة؟
-ليست مشكلتي، يمكنك البقاء او الرحيل لكنني سأبيت هنا.
افكر في ان اتصل بالشرطة واخاف، فانا لست هنا للبحث عن المشاكل، كما انني مازلت احمل الخوف الذي تربى في البلاد. احمل حقيبتي وارحل.
الطريق كلها خالية الا من بضع سكارى. أصل الى المحطة واركب في القطار عائدة الى باريس… اصل قبيل منتصف الليل.
اذهب للفنادق الرخيصة (25 الى 50 اورو) في الباستيل وبيل فيل فلا اجد غرفة شاغرة.
لا يمكنني الذهاب لأبيت عند احد معارفي، الجميع نائمون.
امامي مكانين امنين للمبيت (في مستشفى في قاعة الانتظار بقسم المستعجلات، أو في محطة حيث الشرطة والكاميرات )؛ فانا احمل بعض المال والمتعلقات وجسدا شابا. افضل الذهاب لمحطة الشمال. هناك سأضع حقيبتي في مستودع الحقائب الى ان اجد حلا.
في الطريق اسأل شابا فرنسيا خارجا لتوه من البار عن المحطة فيقول لي: في اخر هذا الشارع على بعد 10 دقائق مشي، اجيبه : لا يا الاهي !(فانا اجر حقيبتي واجر جسدي المنهك من السفر واللف على الفنادق وخيبات املي في كثير من الناس).
-وهنا بيتي امام البار ان اردت، لا تقلقي لدي غرفة اضافية ولن أسيء لك.
قبل ان اجيب يحيي الشاب البارمان ويجذبني لندخل سوبرماركتا بجانب البار. خذي الاكل الذي تريدينه
-لست جائعة
-خذيه في حالة جعتي
-معي المال
-اعدك ان ما افعله بدون مقابل
-اخذ مرتدلا حلال وسلطة، ويحمل هو الخبز وندخل العمارة المقابلة، الطابق الارضي… لا ادري لمَ أشعر بأمان حقيقي هذه المرة رغم انني لا اعرف هذا الشاب كما انه رجل مثل الاخرين… سأرى، وان حصل شيء سأغادر فأنا الان قريبة من الباب والشرطة والبار والمحطة ولست في الضاحية…
بالفعل، الشقة كبيرة مقارنة بالشقق الارضية، تحتوي على صالونين وغرفة نوم ومطبخ أمريكي. والاثاث جميل ونظيف.
نجلس في الصالون نتناول العشاء بعد ان يضع الشاب ما تبقى من المال في جيبه في صندوق مليء بالنقود من فئة 500 اورو! اشعر بالخوف. فالعادة ان الناس يضعون النقود في البنك لا في البيت. اسأله: انت لا تعرفني، واحضرتني من الشارع ومالك مكشوف امامي، الا تخاف ان اسرقك؟ يجيبني: ان اخذت مالا لن اعتبرها سرقة، فانا اعلم انك لن تأخذي الا ان كنت محتاجة.
خذي ما تشائين واعلمي انني لا انتظر مقابلا (désintéressé) .
– لا شكرا، معي بعض المال، لم اجد غرفة في الفنادق، كلها محجوزة.
– الوقت متأخر جدا، يصعب ان تجدي غرفة في فندق في باريس بعد منتصف الليل
– شكرا على نبلك.
يكلمني الشاب عن نفسه ويعرفني بانه صاحب مجزرة وبانه كان يبيت في الشارع في فترة من حياته بعد ان تخلى عنه الجميع ويبكي تقريبا… ويخبرني انه يساعد الكثير من المتشردين الذكور والاناث، دون فرق، يتراجع ويصحح: امنحهم المال او الطعام، لكنني لم احضر احدا هنا من قبل.
ثم يستطرد: هناك اشياء تحصل دون ان يتحكم فيها الإنسان، لكن هذا لا يعني انني اريد ان استغلك… لا ادري…
(اظنه يحاول ان يجس النبض بطريقة لبقة. وتكراره لجملة لا اريد ان استغلك تعني بالضبط : اتمنى لو بالإمكان ان استغلك. فمن لا يفكر في شيء لا يذكره. لكنني اعلم يقينا انني في أمان .
-لقد خفت عليك كثيرا ان تبيتي خارجا… حسنا، يمكنك ان تنامي في اي غرفة تريدين، افضل ان تنامي في غرفة النوم، هناك حمام خاص بالغرفة ان اردت الاستحمام، وهنا المفاتيح، يمكنك غلق الباب من الداخل لتنامي مرتاحة.
-ممتنة لك، متى تخرج صباحا؟
– اغادر في السابعة، لكن يمكنك البقاء هنا وحين تستيقظين ساريك اين تتركين لي المفتاح. يمكنك البقاء اسبوعا ان اردت أو الى ان تحلي مشاكلك.
لا اغلق الباب، وأضبط المنبه على السادسة والنصف لأغادر معه البيت.
يترك لي هاتفه في الصباح…
اكتب له رسالة شكر بعد 6 اشهر لأنني بطبيعة تجاربي السيئة لا اثق في ظواهر البشر. كما انني لا اريده ان يظن انني متشردة اتصل به بسبب الحاجة للمساعدة.
على فكرة: ليس كل الفرنسيين كهذا الإنسان النبيل ولا كل العرب كذلك الشيطان الحقير.
لقد كانت صدفة فقط.

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد