رسائل تأخرت عن موعدها باب تحديد المسؤولية في جماعة أكدال الترابية!

زكية حادوش

بقلم الإعلامية :زكية حادوش

 

قادني مقر سكناي المشهر على بطاقتي الوطنية، كأن هذا العنوان الرسمي يجعل مني دجاجة رابضة في القن لا تتحرك بحثا عن لقمة عيش قطعها أصحاب الوقت في هذه البلاد، المهم قادني إلى التوجه في يوم قائظ من الأسبوع الماضي إلى مقاطعة أكدال بالرباط. لم يكن مطلبي سوى الإشهاد على صحة إمضائي على وثيقة شخصية وقعت عليها بكامل إرادتي وفي كامل قواي العقلية والجسدية.

المثير للاستغراب هو أنني وجدت نفسي في جماعة تفتقر إلى نظام رقمي يتعلق بانتظار الدور، وإلى بنية الانتظار والاستقبال، غير القوات المساعدة المتواجدة، مشكورة، داخل مقرها، فبالأحرى التهوية والتكييف (وليس الذي على بال المدمنين عفا الله عنهم!). أي أنها جماعة تقبع وسط العاصمة الإدارية التي تحيي المهرجانات “الثقافية” بالملايير بينما تلك الجماعة لا تتوفر حتى على أبسط البنيات التحتية الإدارية التي تليق بمرتفقيها وبموظفيها.

أما المثير للاستنكار فهو أنني بعد انتظاري في الصف وصلت إلى الموظف المعني بالإشهاد على صحة الإمضاءات شبه مختنقة بالصهد، فما كان منه إلا أن رفض ختم وثيقتي وتثبيت صحة توقيعي وذهب للتشاور مع رئيسه، فطلب مني بقية الحضور الذهاب لمكتب المسؤول وليتني ما فعلت!

فقد أصدر السيد المسؤول أمره “المطاع” لي باستفتاء “الشيخ” غوغل لأنه ليس من صلاحيات الجماعات الترابية الإشهاد على صحة الإمضاء على وثيقتي، وأحالني على القانون (الذي سيأتيني به غوغل المبجل إن كنت مغفلة)، ورأفة بي ربما لأنني كنت على حافة الإصابة بنوبة، أوصاني باللجوء إلى المحامي أو الموثق أو حتى “العدول” للقيام بذلك الإجراء!

“فتشي عليه في غوغل!”، صرخ في وجهي ثم أعرض عني وتوجه إلى مرتفقين آخرين. هكذا، وحتى أنفذ “أوامره القانونية” قصدت محاميا قيدوما من أبرز المحامين بالعاصمة (لن أذكر اسمه حتى لا أتهم بإشهار غير مرخص له!). فكان الجواب من طرفه وممن يشتغل في مكتبه بأنه لم يسبق أن أتى شخص للمصادقة على أي وثيقة من ذلك القبيل لديه، بل إن موكليه يوكلونه للتصديق على ذلك النوع من الوثائق لدى الجماعات الترابية ومنها جماعة أكدال نفسها.

أسقط في يدي، كنت أريد أن أستشير “غوغل” مع ذلك، لكني لا أتوفر على “الفور جي” لأن “فاعل” الاتصالات، أحد أبرز مموني المهرجانات المعلومة، ربما قطع خطي بسبب تعطيل تلك الوثيقة. نعم، فغوغل أعلم من الجميع في القانون المغربي! على الأقل، أعلم مني أنا المغفلة التي كنت أنام في طفولتي ومراهقتي وبجانبي الدستور القديم والقانون الجنائي والمرحوم قانون الأحوال الشخصية…أنا المغفلة التي شهدت على مسار دستور 2011 واطلعت عليه فصلا فصلا، بل نقطة وفاصلة وما بينهما، والتي ترجمت نصوصا قانونية رسمية بلا حساب…

السيد المسؤول لم يسألني من أين جئت حتى وصلت إلى دياره العجيبة المسماة ظلما وعدوانا جماعة ترابية، كأنني لست كباقي الرعايا الذي يحضر بعضهم وليس في جيبهم سوى ثمن تذكرة الذهاب والإياب على أي وسيلة نقل عمومية، أو ليس في خزان سياراتهم سوى ما جاد به غلاء أسعار المحروقات (عفوا الحارقات) وبضعة دراهم للجلوس في مقهى قريب أو لنفحها ستراتنا الصفراء الوطنية (حراس سياراتنا رغما عن أنفنا) حتى لا يتعرضوا، بعد قهر المسؤولين من شاكلة ذاك المسؤول، للنهر وربما الأسوأ.

ثم رفض إجراء قانونيا من اختصاصه ومن حقي عليه طبقا للقانون 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، كأن وثيقتي ورقة جئت بها من عند “مول الزريعة” وأمرني باستفتاء “الشيخ” غوغل وأمثاله القاطنين بكاليفورنيا! فما عساي أفعل وحاجتي لتلك الوثيقة ملحة ومستعجلة؟

لا شيء، لأني لم أعد أملك أجنحة للتحليق بعيدا ولا أرجلا تحملني نحو الخلاص. ببساطة، غداة تلك المهزلة، قصدت جماعة كنت أقطن على ترابها وهي تابعة لنفس الجهة، فتم الإجراء في أقل من دقيقتين، وبترحاب كبير، من طرف موظفات بشوشات ورئيسهن الذي يعرف شغله!

رسالتي الثانية في هذه السلسلة موجهة لذوي الأمر ولذوي السلطة على موظفي الجماعات الترابية: صحيح أنكم تصدرون دوريات ومذكرات داخلية موجهة لموظفيكم الذين من المفروض عليهم خدمة المواطنين، ومن المفترض فيهم الإلمام بالجوانب القانونية المرتبطة بعملهم، لكن والحالة هاته، لا مناص من توظيف مستشارين قانونيين أكفاء حتى يجيبونا (وإن كذبا) بالقاعدة والقانون، وتكوين موظفيكم في التواصل بدل هدر أموالنا في تزفيت الشوارع وإعادة التزفيت والتبليط مرات ومرات، فالقضية “مزفتة” و”مبلطة” أصلا على حد قول أحد مرتادي “النوادي” الموجودة على جنبات ساحة ابن ياسين قرب مقاطعة أكدال.

أرجوكم، كفى من فرض الحجر علينا وتعذيبنا ذهابا وإيابا إلى “الإدارات” وتحت قيض الرب والعبد، وكفى من معاقبتنا عقابا جماعيا بما فعله السفهاء وذوو النيات الخبيثة منا!

أما ذلك المسؤول الذي ساهم دون أن يدري في هذه المادة فأنصحه، مثلما فعل معي، بالبحث في غوغل عن مرسوم رئيس الحكومة الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 8 يونيو 2022 والقاضي بتحديد كيفيات الإشهاد على صحة الإمضاء من قبل الجماعات والمقاطعات، فقد يفيده في معرفة صلاحياته ومهامه، وتحديد المسؤولية.

قصد تعميم الفائدة، له ولكافة المواطنين، خصوصا المتضررين من أمثاله، أعيد نشر المادة 8 من المرسوم المذكور:

“يعتبر صاحب الوثيقة التي يتم الإشهاد على صحة الإمضاء عليها، المسؤول الوحيد دون غيره عن مضمونها. ولا يترتب عن الإشهاد المذكور أي مسؤولية على عاتق الجماعة أو المقاطعة بشأن صحة المعلومات والمعطيات التي تتضمنها هذه الوثيقة”.

مع العلم أن الفصل 9 من المرسوم السالف الذكر ينص على أنه “لا يتم الإشهاد على صحة الإمضاء، إذا كانت الوثيقة المراد الإشهاد على صحة إمضائها تخالف الأخلاق الحميدة أو النظام العام أو تتضمن سبا أو قذفا”.

أقول قولي هذا وأشهد الله وأشهدكم أن وثيقتي لا تتضمن أي مبطل من هذه المبطلات!

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد