رقية أشمال: فاعلة سياسية مغربية
تعد لعبة الشطرنج من أشهر وأقدم الألعاب الذهنية ، وأشتهر بلعبها كبار القوم وبات يطلق عليها “لعبة الملوك” كناية بشهرتها ورواجها عند الملوك والرؤساء وعلية القوم إلا أنها لم تقتصر عليهم فقط فالجميع يمارسها حتى أصبح ينظم لها بطولات محلية ووطنية وعالمية كما هو الشأن بالنسبة للمشاركة السياسية في بلادنا ؛ واهتمام الطبقة السياسية بالشطرنج في الدول المتقدمة يعتبر أحد الأسباب التي ساهمت وتساهم في نشر وتطور هذه اللعبة بهذه الدول ، إذ ترى هاته الطبقة أن كلا الرقعتين السياسية والشطرنجية ذوات قواسم كثيرة مشتركة ! مبتدؤها ؛ الفعل و رد الفعل قاعدة كن “الفعل” و لا تكن “رد الفعل”!!! يفضل العديد من المبتدئين في الشطرنج – وربما بعض الناضجين غير المتعمقين- اللعب بالأبيض بدلا من الأسود في الشطرنج.. ولهذا أسباب عدة.. ربما لأنهم بطبيعتهم يحبون اللون الأبيض عن اللون الأسود، وربما لأن الأبيض يبدأ في اللعب، وربما لأسباب تكتيكية وخططية ليست محل نقاش الآن.. الشاهد أننا نتعلم منذ الصغر أنه لا فرق مطلقا بين الجيش الأبيض والجيش الأسود، إلا في نقطة واحدة فقط، ألا وهي المبادرة!!! فالأبيض يكون معه المبادرة (البدء) لمرة واحدة في بداية الدور، أي انه يكون “الفعل”، بينما الأسود يكون “رد فعل” للخطوة التي يلعبها الأبيض. كذلك السياسة والقراءات السياسية للأحداث سواء تلك التي نكون جزء منها أو بمنأى عنها ، هناك أفعال، وهناك ردود أفعال! هناك من يبادر وهناك من يجلس وينتظر، ليرى كيف يتحرك المنافس ثم يبحث عن أفضل رد على حركته ، وفي كل الحالات فإن الأمر لا يخضع لسلطة الوقت التي قد تقلل من حظوظ النجاح كما هو الشأن في الشطرنج الخاطف Blitz الذي يرتهن لمداهمة الوقت !!! إن الأفضل في الشطرنج – وفي السياسة سواء كنا لاعبين أو أنصار مشجعين أو متعاطفين ؛ هو بطبيعة الحال أن يكون خصمك رد فعل لك، لا أن تكون أنت رد فعل له! لأن قيادة النجاح في اللعبتين مبني على المبادرات والمحاولات بناء على اجتهاد الذهن في محاولة مقاومة النفوذ الذي ينتشر ويتمدد، كي يتم وضع حد للخصم الذي يفكر دائما في مهاجمتك والقضاء عليك وتنحيتك! ولا يعني ذلك ألا تخطو الخطوة المناسبة لخطوة خصمك السابقة، والتي حتما ستتغير بناء على خطوته تلك، وهذه هي النقطة الثانية في التقاسم المشترك ! الجدير بالذكر ان أطول مباراة شطرنج استغرقت 269 نقلة بين Nikolic و Arsovic في بلغراد عام 1989 وانتهت بالتعادل . وهي تبقى ذات دلالة رمزية عميقة و قوية حتى وإن لم يحقق كلا الطرفين النجاح؛ لأن الهدف الأسمى في اللعبة هو تحريك عضلات الذهن وليس الفوز بحد ذاته بالرغم مما يحقق من متعة ذاتية !!! كذلك القراءة السياسية بمنأى عن أي تأثير قد يزيغ بالغرض المرجو منها فيؤدي إلى نتائج عكسية تماما فهي في حاجة لعشرات النقلات؛ أي حركات الذهن لأن الهدف الأسمى منها هو تحريك الملكة العقلية النقدية والتفاعلية احتراما لذكاء القارئ، ولأن الحرف مسؤولية المبدأ وليس الغرض هو مراكمة القراءات بأسرع وقت حتى وإن جانبت الصواب ولذلك فإن كثير من القراءات السياسية لنتائج الانتخابات الجماعية والجهوية بالمغرب حتى قبل أن تحسم أو تبدأ اصلا اتخذت منحى ؛الشطرنج الخاطف / Blitz وتعتبر مباراة الشطرنج الخاطف هي التي يجب أن تُلعب خلالها كل النقلات في وقت محدد أقل من 15 دقيقة لكل لاعب؛ أو أن يكون مجموع الوقت الأساسي + الوقت الإضافي لعدد 60 نقلة = أقل من 15 دقيقة!!! يخضع اللعب لقوانين اللعب السريع عدا ما هو منصوص عليه في القواعد التالية الخاصة بالشطرنج الخاطف.. الغريب في الأمر ليس وحدهم الفاعلين السياسيين أو المعلقين كانوا مختصين أو غير مختصين اختاروا طريقة البليدز أي السرعة في اللعب أو التعليق عليه !! خاصة إذا ما علمنا أنه في قانون الشطرنج الخاطف تعد النقلة غير القانونية مكتملة إذا تم تشغيل ساعة المنافس، عندئذ يحق للمنافس طلب إعلان فوزه بالمباراة بشرط أن يطلب ذلك قبل أن يلعب نقلته. ولكن إذا كان المنافس لا يستطيع تنفيذ شاك مات لملك اللاعب إذا قام المنافس بأداء نقلته فلا يمكن بعدهـا تصحيح النقلة غير القانونية!!! ظلت الشطرنج لعبة تفوق الالعاب الذهنية الأخرى فنا ومهارة وذكاء وعلما ، حتى ورد كثير من شعر العرب في وصف الشطرنج ؛ وأعمق ما جاء فيها إشارة الشاعر صفي الدين الحلّي في قصيدته القومية المشهورة وهي تشابه كثيرا حال المحال (بفتح الميم )فينا : سلِ الرماح العوالي عن معالينا… و استشهد البيض هل خاب الرجا فينا ؟! والتي جاء فيها قوله: بيادقٌ ظفرت أيدي الرخاخِ بها… ولو تركناهمُ صاروا فرازينا !!! استدراك : أعتذر للأصدقاء والصديقات الذين لا يستمتعون بلعبة الشطرنج أو الذين لا يحبون فهم قواعدها ، او الذين لم تتح لهم فرصة تعلمها ، باستنباط هذا التشبيه الذي قد يجد فيه القارئ/ة بعض المشقة الذهنية في غياب المعرفة العلمية بقواعد اللعبة لفهم دلالات هذا المكتوب !!!