محمد أديب السلاوي
الديمقراطية، كلمة يونانية الأصل، مشتقة من لفظين يونانيين هما: (Domos) الشعب و(karatos) سلطة، أي سلطة الشعب.
تاريخيا، ظهرت هذه المفردة لأول مرة، في كتاب “تاريخ حرب البيلوبونيزا” للمؤلف الإغريقي “توسيديدس”(1).
وحسب المؤرخين، فإن كلمة الديمقراطية، بمفاهيمها التأسيسية، لم تكن في العهد اليوناني (قبل ألفي سنة وعدة قرون) محل إجماع الفلاسفة والمثقفين والفقهاء والسياسيين.
أفلاطون، لم يكن يرى فيها سوى حكم الرعاع المجبولين على التجاوزات والمستعدين للاستسلام للسلطة المستبدة، بينما كان أرسطو يرى أن النظام النموذجي للحكم هو نظام ارستقراطي محدود، ينصت إلى مطالب الجمهور، وهو ما يعني في نظره أن الديمقراطية والحكم خطان متوازيان، من الصعب إدماجهما في اتجاه واحد.
وتعود بدايات الديمقراطية، كنظام سياسي إلى الدولة المدينة، حيث مارس المواطنين مهام السلطة التشريعية مباشرة دونما فصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقد أمكن الإغريق ممارسة هذا النوع من النظام دون معارضة بعض المفكرين والفلاسفة الذين اتفقوا مع أفلاطون، ليقارنوا هذا النوع من التنظيم الاجتماعي ب”حكم الرعاع” الذي يتأثر بالخطابة التي تحرك عواطف الجماهير أكثر من تأثره بالفكر النير والخاص بالقلة/ النخبة أو بالملك الفيلسوف، كما جاء في جمهورية الفيلسوف اليوناني السالف الذكر.
في القواميس الفلسفية، تعني الديمقراطية “حكم الشعب بالشعب وللشعب”، وتعني أيضا “الحرية السياسية” وهذه الأخيرة لن تتحقق ولن تؤتي ثمارها، إلا إذا ارتكزت على ترتيبات نظامية معينة، وأسندت على ضمانات قانونية وواقعية محددة، وهي في كل الأنظمة الحديثة والقديمة تقوم على أساس فكري واحد، هو أن السلطة في الدولة ترجع إلى الشعب، وأنه (أي الشعب) وحده صاحب السيادة، أي أن الديمقراطية في النهاية هي مبدأ السيادة الشعبية.
وفي القواميس السياسية، تعني الديمقراطية، نظام سياسي/ اجتماعي، يقيم العلاقة بين أفراد المجتمع والدولة، وفق مبادئ المساواة بين المواطنين، ومشاركتهم الحرة في صنع التشريعات التي تنظم الحياة العامة، وهو ما يعني سياسيا، أن الشعب في الديمقراطية، هو صاحب السيادة ومصدر الشرعية(2).
ويقصد بالديمقراطية، في غالبية القواميس القانونية والفقهية المعاصرة، النظام السياسي الذي يكون فيه للشعب نصيب في حكم إقليم الدولة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
الديمقراطية المباشرة، هي النظام الذي بمقتضاه يحكم الشعب نفسه، وهو نظام –في نظر العديد من فقهاء القانون- يستحيل تطبيقه إلا في المجتمعات الصغيرة المقلة، كالمدن الإغريقية، لهذا لا مكان له في البلدان الفسيحة وكثيفة السكان.
أما الديمقراطية الشبه مباشرة، فهي في نظر الفقهاء، نظام الحكم الذي يشترك فيه الشعب، عن طريق ممثلين أو عن طريق الاستفتاء أو الاقتراع أو الاعتراض الشعبي، ويعرف عادة باسم الديمقراطية النيابية.
والأساس في الحكم الديمقراطي، أن لكل فرد بالغ شريف من الحقوق، ما لأي فرد آخر، من حق الانتخاب والترشح، إلى حق الاشتراك في شؤون الدولة العامة(3).
ولأن للديمقراطية مكونات عديدة، ركزت المدارس الاجتماعية المختلفة على بعضها، على حساب المكونات الأخرى، فأصبحت للديمقراطية مدارس واتجاهات متداخلة ومتباعدة، ينتمي بعضها إلى الكتل السياسية، وبعضها الآخر يرتبط بالمذاهب والعقائد السياسية، ويمكن حصر أهم اتجاهات ومدارس الديمقراطية في التالي:
أ/ الديمقراطية الاشتراكية، وهو اتجاه نبع في بداياته، عن اتباع الأممية الثانية (أي أحزاب الاشتراكيين الديمقراطيين التي تطالب بتحقيق الاشتراكية عن طريق البرلمان، وهي أحزاب ترجع اشتراكيتها إلى مصادر غير ماركسية، وتختلف عن الأحزاب الشيوعية في فكرة الصراع الطبقي والطريق إلى تحقيق الاشتراكية(4).
ب/ الديمقراطية الشعبية، وهو الاتجاه الذي أعلنت عنه الأحزاب الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، كما في فيتنام الشمالية والصين الشعبية، ولد هذا الاتجاه على يد حركات المقاومة التي كانت تقودها الأحزاب الشيوعية ضد النازية.
ج/ الديمقراطية الغير مباشرة، وهو اتجاه ديمقراطي، يعمل على انتخاب برلمان، يمارس السلطة التشريعية نيابة عن الشعب صاحب السيادة وباسمه، ولكن مع ذلك يحتفظ الشعب لنفسه بحق ممارسة السلطة ضمن حدود ينص عليها الدستور إذا ما فشل البرلمان في تحقيق الأهداف المثقف عليها.
وهناك ثلاث طرق معروفة في هذا المجال:
- حق الاعتراض الشعبي
- حق الاقتراح الشعبي
- حق الاستفتاء الشعبي
د/ الديمقراطية المباشرة، في صورتها النظرية الكاملة، تعني أن الشعب باعتباره صاحب السيادة، يجب أن يمارس هو بنفسه جميع سلطات الدولة، تشريعية وتنفيذية وقضائية، وذلك على أساس، إن السيادة لا تقبل أن ينيبها الشعب أو يفوضها إلى مندوبين.
هـ/ الديمقراطية المسيحية: تسمد أهدافها وقيمها من الأحزاب المسيحية الغربية، التي تنادي، بمذهب سياسي واقتصادي واجتماعي مستوحى من الأنجيل، وتعلن أنها تهدف أساسا إلى تحسين أحوال الطبقات الشعبية مع توفير الكرامة لها.
وقد نشأت هذه الأحزاب بألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا وهولندا بين الحربين العالميتين الأولى والثانية كرد فعل على تصاعد الحركة الإشتراكية في أوروبا، وكمحاولة للوقوف في وجه مدها المتنامي خلال تلك الفترة.
وتقول المراجع التاريخية التي اهتمت بهذا الاتجاه، أن الأحزاب الديمقراطية المسيحية، لم تتوفق في الزمن الراهن، في الوصول إلى الحكم لتنفيذ مخططاتها، لذلك تراجعت لتبقى من الأحزاب الثانوية في الفضاء السياسي الأوروبي، لا يتجاوز تأثيرها الدراسات التاريخية والسياسية الأكاديمية بالجهات المختصة.
و/ الديمقراطية النيابية: تؤكد فلسفيا وقانونيا وسياسيا، أن الشعب هو صاحب السيادة، ولكنه لا يقوم بنفسه بممارسة السلطة التشريعية وإنما يعهد بها إلى نواب عنه ينتخبهم لمدة معينة، وبشروط معينة، وينيبهم عنه في ممارسة هذه السلطة باسمه.
والديمقراطية النيابية، هي نظام سياسي، يقوم أساسا على برلمان أو مجلس نيابي منتخب يتولى الحكم بالنيابة عن الشعب الذي يختار أعضاءه، ويطلق على هذا الصنف من الديمقراطية، في عالم اليوم الديمقراطية الغربية، لأنها أصبحت هي نظام الحكم السائد في الدول الغربية، مثل فرنسا/ بريطانيا/ الولايات المتحدة الأمريكية.
ومما تتميز به هذه الديمقراطية، التفريق بين ثلاثة وظائف رئيسية للدولة، وهي: الوظيفة التشريعية، ويقصد بها وضع القوانين، والوظيفة التنفيذية وتضمن سير العمل في الدولة على أساس القوانين التشريعية، والوظيفة القضائية، ويقصد بها الفصل في المنازعات على أساس القوانين الصادرة عن الهيئة التشريعية، وهو المبدأ الذي يعرف باسم فصل السلطات(5).
*****
1-جاك مونيي/ مفاهيم سياسية دار لوروا باريس 1960.
2 – عبد الوهاب الكيالي/ موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر (1981) بيروت/ ص: 750.
3 – أحمد عطية الله/ القاموس السياسي (الطبعة الثانية 1968)/ ص: 548، دار النهضة العربية/ القاهرة.
4 – عبد الوهاب الكيالي/ المرجع السابق ص: 755.
5 – احمد عطية الله، المرجع السابق، ص: 548.