خفايا الموقف التركي من داعش ؟

   جــودت هوشـيار

هل العملية الإرهابية ، التي وقعت في مدينة برسوس الكردية مؤخراً ، يمكن أن تضع حداً للتفاهم  الضمني بين تركيا وتنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) ؟ أم أن جهات أخرى داخل تركيا لها ضلع في العملية . على المراقب أن يكون حذراً ، لأن الوضع في تركيا يكتنفه الغموض في ظل حكومة أوغلو الحالية القلقة  . وليس مستبعداً أن تكون عملية برسوس في مصلحة بعض مؤسسات الدولة التركية  ، خاصة تلك التي تعارض الحل السلمي للقضية الكردية .

السلطة تتفادى المواجهة المباشرة مع قوى الإسلام السياسي الراديكالي داخل تركيا  ، فبعد مرور شهر واحد على العملية الإرهابية المزدوجة في دياربكر ، التي ذهب ضحيتها (5) شهداء وإصابة أكثر من (100) آخرين بجروح ، قام ناشط داعشي علانية بإلقاء خطاب ناري في جمهرة من المتشددين في ضواحي استانبول . وبعد عملية برسوس طاردت مجموعة دينية راديكالية جموع المتظاهرين الكرد في شوارع المدينة مع صيحات ( الله أكبر) وبمباركة رجال الأمن.

الجيش التركي يعارض التدخل العسكري في سوريا، لأن من شأن مثل هذا التدخل أن يؤدي إلى  تأجيج النزاعات الداخلية ،على نحو  يصعب السيطرة عليها . والحقيقة أن الدولة التركية – على حد وصف أحد الباحثين الفرنسيين – عملاق واقف على ساقين من الطين .، والسلطة تحاول إخفاء ذلك بكل الوسائل .

الغرب يعرف القنوات السرية والعلنية للعلاقة بين تركيا و داعش ، ولكنه لا يريد أن يصدق إن دولة عضو في حلف الناتو تمارس لعبة مزدوجة ضد الغرب . فثمة  قنوات للاتصال والتعاون بين الإسلاميين الراديكاليين الأتراك  وبين داعش ، يتم عن طريقها ، تقديم المال والتجهيزات الطبية لدولة الخلافة المزعومة وتجنيد المتطوعين للانضمام إلى صفوفها. إضافة الى ما هو معروف عن تسلل الجهاديين عبر تركيا الى سوريا ، ومعالجة جرحى داعش في المشافي التركية . وتقوم السلطات التركية بين حين وآخر ، من أجل ذر الرماد في العيون ، بإعلان القبض على بعض الأشخاص الذين حاولوا عبور الحدود الى سوريا . ولا ينبغي تجاهل دور الأجهزة الخاصة التي لها اليد الطولي في تجارة النفط  السوري الذي يستخرجه داعش بطرق بدائية .

حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم تدعم المجموعات الجهادية التي تحارب النظام السوري .وتحتضن علناً عدداً كبيراً من الجهاديين المطلوبين للعدالة وتمتنع عن تسليمهم الى الشرطة الدولية ( الأنتربول ) . ومع أن موقع ويكيليكس قد نشر قبل فترة وثائق تشيرالى قنوات التعاون التركي مع داعش ، ولكن البعض يحاول التقليل من شأن هذه الوثائق . وهنا يبرز تساؤل منطقي ، إذا كانت ثمة تعاون بين تركيا و ( داعش ) ، فما الهدف منه !. وهل داعش حليف مفيد لتركيا ، في التعاطي مع القضية الكردية ؟

سياسة الحزب الحاكم الإقليمية  تتسم بالغرور كدولة كولونيالية سابقة في الشرق الأوسط ، ويرى الحزب أن ما من أحد يمكن أن يشكك في الدور القيادي لتركيا في المنطقة  ، وان على تركيا توجيه الحركات والجماعات الإسلامية العربية بما يخدم المصالح التركية . وهذا الوهم أدى إلى خطأ إستراتيجي فادح . وهو غض النظر عن الخلايا النائمة لداعش في تركيا وعن كل ما يقوم به هذا التنظيم المتطرف من فظائع وتحريضه لمحاربة الكرد في سوريا.

الانتصارات الباهرة ، التي حققها المقاتلون الكرد على تنظيم داعش في الآونة الأخيرة وجهت ضربة إلى ىسياسة الحزب الحاكم الذي يعتبر إقامة أي كيان كوردي في سوريا تهديدا لأمن تركيا. وهذا ما صرح به أردوغان مراراً ، في حين أنه يتحاشى انتقاد داعش لاعتبارات داخلية وإقليمية ويتجاهل الخطر الحقيقي الذي يشكله على أمن المنطقة والعالم .

العملية الإرهابية في برسوس أثبتت فشل إستراتيجية المصالحة مع داعش . وكما قال تشرشل : ” صانع السلام الزائف هو من يطعم التمساح على أمل أن يكون آخر من يفترسه ( التمساح ) “.

وفي غياب أي ضغط دولي قوي على تركيا ، فأن الأخيرة ستواصل التعاون مع داعش من أجل إبعاد خطره عن تركيا ولو إلى حين  . . وترى السلطات التركية إن أي إستراتيجية أخرى في الوقت الراهن لن تكون سوى دواءً أسوأ من المرض.

 

تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد