محمد الهادي الجزيري:تونس
في قيلولة زرقاء مثل هذه الجاثمة على مدينة تونس العتيقة، وفي مطلع السبعينات من القرن الماضي، همدت أسرتي كلّها ، أخواتي الأربع وأخي الصغير آخر العنقود ، كما لم تنج من تخدير الحرارة أمّي اليقظة دائما ، أمّا أبي فهو من توابعها المخلصيين الطيّعين وقد نام طبعا أسوة بها..، الحيوان الوحيد الذي ظلّ محدّقا في وهج الجحيم ، هو أنا طبعا ..
استبدّت بي رغبة اكتشاف ما بداخل الصندوق الرائع المصنوع من خشب مصقول ، والمُصدر لأصوات الحياة: أغان ، مسلسلات ، أخبار ، ثرثرة إلخ..
توكّلت على الجرأة ورغبة المعرفة وطفقت أفكّكه قطعة إثر أخرى وأفحص أحشاءه المثيرة والحقّ يقال أحيانا، لم أفهم شيئا كما هي حالي اليوم مع العالم، وعزمت على إعادته إلى هيئته الأولى دون جدوى، ففعلت ما فعله أسلافي منذ القدم ، إذ لا بدّ لكلّ ميّت من قبر ، وكان سطح البيت المثوى الأخير ” للراديو ” العزيز …
أتممت المهمّة بهمّة وحرفيّة عالية ثمّ اندسست في كومة اللحم الأهليّ فخورا بعبقريّتي ومدّعيا النوم العميق…
بعد ساعتين وقع التفطّن لغياب الفقيد الحبيب، ولم تتّهم أمّي أحدا سواي ، ولم يتخلّف كائن من السلالة والجيران عن المرور بجسدي قرصا أو عضّا أو لطما ( أمّة مختصّة في التعذيب ) حتّى أصدرت أمّي عفوها مع توبيخ كلّ من أفرط في تأديبي…
سلام عليك يا عويشة العظيمة.. غوصي عميقا في التراب وفي قلبي