ريتاج بريس
يوسف البحيري أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش منذ 1991، وعميد نفس الكلية (2014– 2018) ، أصدر العشرات من المؤلفات في مختلف قضايا القانون الدولي والقضاء الجنائي الدولي وحقوق الانسان والحريات العامة باللغات العربية والفرنسية والانجليزية، ويحاضر في العديد من الجامعات الأوروبية، يتحمل عدة مهام علمية منها العضوية في المجلس الاستشاري لنظام التوثيق والاعلام في حقوق الانسان بجنيفHURIDOCS ، والعضوية في مجموعة عمل لدى الائتلاف الدولي للمحكمة الجنائية الدولية.
– الدروس المستقاة من التجربة المغربية فيما يخص التدابير والاجراءات المتخذة لمكافحة جائحة كورونا من الناحية القانونية :
أدى إنتشار جائحة كورونا إلى خلق أزمة صحية كونية غير مسبوقة أرعبت المجتمع الدولي، و أكدت على أن الاوبئة والفيروسات تشكل خطرا حقيقيا على الإنسانية في الوقت الراهن، فحتى الأسبوع الأخير من شهر ماي من هذه السنة، وصل عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد حسب إحصاء وكالة “رويترز” أكثر من 5.82 مليون شخص أصيبوا على مستوى العالم، فيما أودى الفيروس بحياة 359389 شخصا، وتتصدر الولايات المتحدة قائمة وفيات وإصابات كورونا عالميا، بأكثر من 90 ألف وفاة، ومايزيد على مليون و500 ألف إصابة، حسب الوكالة.
فالمغرب كباقي دول العالم واجه تحديا حقيقيا، يتجلى في ضرورة إتخاذ مجموعة من التدابير الصحية والقانونية، تجلت في فرض حالة الطوارئ والحجر الصحي والالتزام بقواعد النظافة والسلامة الصحية، والتي ساهمت في تجنب الأخطار المتعددة لفيروس كوفيد -19، و حماية ووقاية المغرب من الوباء وانخفاض حالات الوفيات و المصابين بالفيروس والحفاظ على الصحة العامة للمواطنين.
فحسب معطيات وزارة الصحة في الأسبوع الأخير من ماي، وصل العدد الإجمالي للمصابين بالفيروس بالمغرب إلى 7740 حالة، و بلغ عدد الحالات التي جرى استبعاد إصابتها، ب188729 حالة بعد الحصول على نتائج سلبية للتحاليل الخاصة بها، ليستقر إجمالي الوفيات في 203 شخص منذ بداية انتشار الفيروس بالبلاد. هذا في حين أن حالات الشفاء والتعافي من فيروس كوفيد– 19 وصلت إلى 5377 حالة.
لقد إتخذ المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس عدة تدابير اجرائية فعالة لمواجهة فيروس كورونا، وهي التي ساهمت الى حد بعيد في الحد من خطورة الوباء و تجلت في إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية ووضع الحواجز الأمنية للحد من تنقل الأفراد، والرفع من وتيرة التحاليل المخبرية، و إتباع بروتوكول علاجي بالنسبة للمصابين بفيروس كورونا، و آخرها إطلاق تطبيق الكتروني لتعقب الأشخاص المصابين بفيروس كورونا لمنع تفشي الوباء.
فالدولة المغربية كانت سباقة لفرض حالة الطوارئ، مما أعطى صلاحيات إستثنائية للسلطات العمومية في إطار الدستور و القوانين، التي تقوم على حظر التجول على نطاق واسع بهدف الحجر والعزل قصد الحد من انتشار الفيروس القاتل، مع توزيع الكمامات الطبية على المواطنين بأثمان مناسبة تستجيب للقدرة الشرائية للفئات العريضة من المواطنين المغاربة.
كما تم إحداث صندوق خاص بمكافحة فيروس كورونا، تنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس، وذلك من أجل تدبير ومواجهة الجائحة الوبائية، وتأهيل البنيات الصحية، والحد من أثار هذا الوباء على الاقتصاد الوطني. كما ساهم هذا الصندوق الخاص بالتكفل بالنفقات المتعلقة بالفئات المعوزة من المواطنين، ومنح تعويض شهري طيلة الفترة الممتدة من 15 مارس الى 30 يونيو 2020، لفائدة الأجراء والمستخدمين بموجب عقود الاندماج والبحارة الصيادين المتوقفين مؤقتا عن العمل المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والمنتمين للمقاولات التي تواجه صعوبات، بالإضافة إلى الاستفادة من خدمات التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية.
فمن الدروس المستقاة من مكافحة جائحة كورونا بالمغرب، هو أن عموم المواطنين أبدوا إستعدادا كبيرا للتضحية بالحياة العادية والعلاقات الاجتماعية والعمل والذهاب إلى المساجد والتجول والرياضة والترفيه، ويمكن إستغلال الفرصة لتحية القطاع الطبي والمكلفين بانفاذ القانون و نساء ورجال التعليم والقضاء والاعلام وقطاع النظافة على روح المواطنة والتفاني في خدمة هذا البلد الأمين.
ولكن بالمقابل، تبين وجود نوع من الانفلات من حين لاخر ، والذي يتجلى في عدم اكتراث بعض المواطنين بحالة الحجر الصحي، رغم مطالبة السلطات المختصة بالمزيد من الحذر والالتزام بالبقاء في البيوت، خصوصا وأن البؤر العائلية في الأحياء الشعبية شكلت تهديدا حقيقيا على الصحة العامة للمغاربة.
وربما هذه الجائحة الوبائية تدعو للتأمل والتفكير بجدية وحزم في ضرورة الإستثمار في الإنسان المغربي، وأن التربية على المواطنة هي الرهان الحقيقي لبناء المجتمع الحداثي ودولة القانون بالمغرب وأن اعادة الإعتبار للمدرسة العمومية هو قوام المشروع المجتمعي الذي سيضمن دون ريب نشر المبادئ والقيم الانسانية، فالمدرسة العمومية يجب أن تكون إطارا معرفيا يشجع على تلقين قيم التضامن والقدرة على المبادرة و إحترام القانون، بل إن التربية على المواطنة يجب أن تتسع إلى الفضاء العام، وتشمل مختلف جوانب حياة المجتمع وتأثيرات المعرفة والثقافة والآداب والفنون، ومكافحة الرداءة والتفاهة وإفساد الذوق العام التي تساهم في نشرها مع الأسف وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
– إلتزام المغرب بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان في تطبيق إجراءات حالة الطوارئ لمحاربة فيروس كورونا :
إن المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تجيز تقييد بعض الحريات العامة الأساسية، وذلك في حالة الطوارئ الإستثنائية التي تُهدد أمن وسلامة المواطنين مثل الاوبئة والكوارث الطبيعية، ويمكن للحكومات أن تتخذ التدابير الوطنية للتُقييد المؤقت لبعض الحريات العامة، قصد مواجهة الأزمات الصحية الطارئة، ويجب أن تكون منصوص عليها في القانون وضرورية ومؤقتة، وتُنفّذ بشفافية. فممارسة حرية التنقل و التجمع تخضع للقيود التي تضعها الدول في حالة الطوارئ، على أساس أن يكون منصوصا عليها في التشريع الوطني، حتى لا تترك للسلطات العمومية أي مجال للإساءة في تفسيرها أو تقييدها بشكل تعسفي. وفي هذه الحالة يشترط الإمتثال لمجموعة من الشروط القانونية:
– يجب أن تكون حالة الطوارئ معلنة؛
– يجب حماية الحق في السلامة الجسدية والكرامة الانسانية في حالة الطوارئ ؛
– يجب إنهاء حالة الطوارئ بمجرد أن تسمح الظروف بذلك.
وبناءا على ما سبق، يمكن القول بأن نجاعة وفعالية التدابير الوطنية المتخذة بالمغرب لمواجهة فيروس كوقيد–19 في حالة الطوارئ، والتي منحت السلطات العمومية صلاحيات واسعة إستثنائية بموجب الدستور، ساهمت في نجاح التجربة المغربية للحكامة الأمنية في تدبير و تطبيق اجراءات الحجر الصحي وحظر التجول من طرف المكلفين بإنفاذ القانون للحفاظ على النظام العام، وعكست وجود تضامن حقيقي بين جميع مكونات المجتمع، من أجل حماية الصحة العامة.
فبصفة عامة، أبان المكلفون بإنفاذ القانون عن الانخراط في دينامية الحكامة الأمنية وحماية النظام العام في حالة الطوارئ، وعبروا عن روح المسؤولية والمواطنة في ممارسة الصلاحيات الممنوحة لهم لتمكينهم من أداء مهامهم وواجباتهم، والامتثال للمعايير الدولية لحقوق الانسان التي تهدف في هذا الإطار إلى ضرورة إعمال مبادئ المشروعية والضرورة والإلمام بالقانون، في تطبيق اجراءات الحجر الصحي وحظر التجول.
كما أن المغرب إحترم الضمانات الدولية للرعاية الصحية المنصوص عليها في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، وإتخذ جميع التدابير اللازمة لتأمين الوقاية والرعاية الطبية لجميع المواطنين المصابين فيروس كوفيد– 19، مع مراعاة المساواة وعدم التمييز بسبب الجنس أو الانتماء الاجتماعي أو الجغرافي في الإستفادة من الرعاية الصحية.
ونحن بصدد الحديث عن مسألة حقوق الانسان، لا بد من التوقف عند إجماع مكونات المجتمع المغربي على رفض تمرير مشروع قانون 22.20 المتعلق بإستعمال شبكات التواصل الاجتماعي، والذي اقترحته الحكومة المغربية في فترة الحجر الصحي. و تنص المادة 14 منه على أن كل “من يدعو إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك، عبر شبكات التواصل الاجتماعي يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم”. وهو ما رفضته جميع الأوساط السياسية والقانونية، حيث إعتبر عدد كبير من القانونيين المغاربة أن الفصول القانونية المسربة تعد سابقة خطيرة في تاريخ المغرب، نظراً لاستهدافها المباشر لحرية الرأي والتعبير بالمغرب ضاربة بعرض الحائط جميع المكتسبات الحقوقية التي حققتها بلادنا في عهد الملك محمد السادس.
– أسباب وتداعيات فشل المجتمع الدولي في التصدي لوباء كوفيد – 19 :
أبان المجتمع الدولي عن نوع من الضعف في مواجهة خطر جائحة كورونا المستجد، كما أن الفشل كان هو العلامة البارزة لهيئة الأمم المتحدة التي لم تتوفر على إستراتيجية إستباقية سواء تعلق الأمر بكيفية التصدي للوباء أو إرساء دعائم التضامن العالمي بشأن محاربة هذه الازمة الصحية الخطيرة، مما يفسح المجال للإعتقاد بأن النظام العالمي الحالي ينتظره مستقبل كئيب، وأن الأسس التي بني عليها في فترة إنهيار جدار برلين ونهاية الحرب الباردة هي آيلة إلى الزوال. إن هذا الخطر المحذق بالبشرية والكامن في فيروس كوقيد- 19 قد يشكل فرصة مواتية لتغيير مفاهيم العولمة و النظام العالمي الحالي الذي يقوم على الهاجس الأمني ويتزعمه الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
فلا غرو أن هذه الجائحة ستعجل بمراجعة الأنماط المتداخلة السائدة في المجتمع الدولي، لمواكبة التحولات الناتجة عن الأزمة الصحية الدولية، مما يفرض على العالم الإنخراط في عملية الاستشراف والتأمل للتنظير لنسق ومبادئ نظام عالمي جديد يستطيع إحتواء الصراع الامريكي الصيني الذي طغى في الحقبة الاخيرة، والتغلب على تصدع العالم بين الهيمنة العسكرية الامريكية والنزعة الإقتصادية الصينية التوسعية من جهة ثانية، والذي وصل إلى حد نشوب حرب الصادرات بين البلدين من خلال الرفع من الرسوم الجمركية بين الجانبين، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية أبدت تخوفا من هذا التحول في إستراتيجية الصين، بالإنتقال من الحياد للحفاظ على التمدد الإقتصادي في الأسواق العالمية، إلى إنشاء قاعدة عسكرية في “جيبوتي”مطلة على القرن الإفريقي، وجزر عسكرية إصطناعية في بحر الصين الجنوبي.
هذا الصراع الأمريكي الصيني ألقى بظلاله على الأزمة الصحية بعدما حملت الولايات المتحدة غريمتها الصين مسؤولية تفشي كورونا المستجد، معتبرة أن مصدر فيروس كوقيد–19 هو مختبر في مدينة ووهان الصينية، كما قطعت الولايات المتحدة التمويل المالي عن منظمة الصحة العالمية. مما يدعو إلى التفكير في تجديد آليات إشتغال المجتمع الدولي لمسايرة التحولات العالمية التي سيتركها هذا الوباء، والإعداد لنظام عالمي جديد متعدد الأطراف، من أجل تحقيق العولمة المستدامة و التوازنات السياسية الدولية.
وفي سياق الحديث عن غياب التضامن الدولي، تجب الاشارة الى ان العديد من الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا عجزت في بداية تفشي الوباء في إيواء جميع المصابين بالمستشفيات دون الحصول عن المساعدة الطبية من الدول الاخرى. و أصبح الهم الأساسي في هذة الفترة الصعبة هو البحث عن الإحتياجات الطبية الأولية مثل (الكمامات)، التي أضحت عملة نادرة في هذه الدول، لدرجة أن الأطباء العاملين في المستشفيات نشروا فيديوهات لمناشدة الحكومات والمنظمات الدولية والمانحين بضرورة توفيرها لهم، للحد من خطر الإصابة بعدوى كورونا.
كما أبانت جائحة كورونا عن هشاشة البنيات الصحية في بعض البلدان مثل الهند، حين لم يجد الفقراء والمُهمشون، الرعاية الصحية اللازمة التي تحميهم من الفيروس، مما عرضهم للخطر على حياتهم. اما في ايطاليا واسبانيا فالمستشفيات طبقت نوعا من التمييز بسبب العمر حيث رفضت تقديم الاسعافات لكبار السن المصابين واعطاء الاولوية لصغار السن وهو ما يشكل مساسا لمبدا المساواة في الرعاية الصحية.
و كشفت إجراءات وتدابير مكافحة فيروس كورونا، إتباع بعض الدول لسياسة تمييزية وعنصرية في حق جنسيات أخرى، فمثلا رفضت الفنادق في إندونيسيا وكوريا الجنوبية واليابان وفيتنام قبول الزبائن الصينيين، وهو ما إنعكس سلبا على سلوك الأفراد، حيث تداولت وسائل الاعلام المرئية تعرض العديد من الصينيين إلى العنصرية والاهانة في القطار ببلجيكا. كما أرسلت الحكومة الأسترالية المئات من الأستراليين المصابين بالفيروس إلى مركز إحتجاز المهاجرين في جزيرة كريسماس.
– التجاوزات والخروقات في حالة الطوارئ المتعلقة بالتدابير لمكافحة وباء كوفيد – 19 ومسأُلة السيادة :
أُثيرت مسأُلة السيادة خلال إنتشار عدوى جائحة كورونا بمدينة “ووهان الصينية”، حيث قامت الحكومة الصينية بإخفاء وحجب المعلومات الصحية، وملاحقة الأطباء والمواطنين الذين ينشرون عبر وسائط التواصل الاجتماعي المعلومات المتعلقة بعدد الموتى والمصابين بفيروس كورونا، معتبرة تدبير هذه الجائحة أمرا يندرج في صلب سيادة الدولة ومجالها المحفوظ .
و إمتد الأمر إلى دول أخرى بعد ذلك، من بينها إيران وكوريا الشمالية وغيرها، التي لم تكشف عن المعطيات والأرقام الخاصة بتفشي الوباء لدرجة أن Michel Forstالمُقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة حذّر إيران من مغبة إخفاء تفشي الوباء في السجون والذي يشكل خطرا على عموم الإيرانيين والإنسانية جمعاء.
لقد عاشت الديمقراطية في العديد من البلدان مثل الصين والهند نوعا من التراجع في زمن حالة الطوارئ المرتبطة بجائحة كورونا، حيث غابت آليات الرقابة على الحكومات، التي تنفرد بإتخاذ جميع القرارات و التدابير لمواجهة الفيروس تحت تبرير السيادة الوطنية والمجال المحفوظ.
إختلفت التدابير الوطنية لمواجهة فيروس كوقيد–19 من دولة الى أخرى، ولكنها إجتمعت في إستخدام البيانات الشخصية، و هكذا لجأت العديد من الدول مثل كوريا الجنوبية والصين واليابان، وغيرها…، بإستعمال المعلومات والبيانات الشخصية التي تحصلت عليها من شركات الإتصالات، لتتبع وتعقب حركية المصابين جائحة كوفيد–19 بواسطة الهواتف النقالة.
كما أن هذه الدول المذكورة سمحت للأجهزة الأمنية بإستخدام بيانات الهواتف النقالة للأشخاص المصابين بالفيروس، قصد إرسال رسائل نصية قصيرة تحذر بقية الساكنة من الإحتكاك المحتمل بهذه الفئة من المصابين بالفيروس، الذين يتم مراقبة تحركاتهم من طرف الأجهزة الأمنية داخل المدن.
بل الأدهى من ذلك، هو أن الصين لجأت إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي و أجهزة المسح الحراري الذكية، وتقنيات التعرف على الوجوه في الأماكن العامة، لتتبع إنتشار الفيروس. وتقضي هذه التقنيات بإستخدام البيانات حول الصحة الشخصية، وتُحدد لكل فرد وضعاً صحياً محددا بلون معين، فالأخضر يخص “الآمن”، والأصفر يقتضي حجراً لمدة سبعة أيام، والأحمر يحتاج حجراً لمدة 14 يوماً. ويُستخدم هذا النظام لتحديد دخول الأشخاص إلى الأماكن العامة و التأكد من أن الشخص المصاب لم يخالف أوامر الحجر الصحي.
وتمكنت حكومات هونغ كونغ وسنغافورة وتايوان من تفادي عمليات الحجر الصحي لفترات زمنية طويلة من خلال تطبيق التكنولوجيا الحديثة لمراقبة المصابين، مما سمح لها يالابقاء على المطاعم والمتاجر مفتوحة للعموم مع احترام التدابير الاحترازية.
وهو ما يطرح أسئلة عديدة حول إستعمال التكنولوجيا الحديثة، وانتهاك حق الافراد في الخصوصية والحياة الخاصة والسرية الطبية، بينما كان من الممكن إستعمال التكنولوجيا الحديثة لإنقاذ الأرواح، بما في ذلك تتبع الظروف الصحية للمصابين، ونشر رسائل نصية للمواطنين لحماية الصحة العامة وزيادة فرص الحصول على الرعاية الصحية، عوض استخدامها لتقنيات المراقبة وتعقب الأفراد و التمييز بينهم.
إن مكافحة فيروس كوقيد–19 شكلت لبعض الدول الاسيوية مثل الفلبين والهند فرصة للتعسف وإساءة استخدام السلطة، حيث تتبع الرأي العام الدولي بإندهاش شديد حملات إلقاء القبض و الإعتقال والحراسة النظرية في حق عشرات الآلاف من الأشخاص بتهمة مخالفة الحجر الصحي ومنع التجول، حيث قامت السلطات الفلبينية بالقاء القبض على 120 ألف شخص بسبب إنتهاكات حظر التجول خلال شهر واحد.
مما جعل المفوضة السامية لحقوق الانسان Michelle Bachelet التنبيه لضرورة إحترام مبادئ دولة القانون والمؤسسات، وأعلنت عن قلقها لأن هذه التدابير والقوانين الإستثنائية المطبقة في فترة فيروس كورونا تتضمن تجاوزات مخالفة للقانون الدولي، لتوفرها على عقوبات صارمة تغذي المخاوف من إستخدامها لاسكات المواطنين، وأدانت توقيف آلاف الأفراد بتهمة خرق حضر التجول، ودعت الدول إلى الافراج عن المعتقلين.
وعرفت بعض الدول فرض نوع من الرقابة على وسائل الإعلام والصحافة الإحترافية ومنصاتها الرقمية، نظرا لتمكنها من إثارة إهتمام ومتابعة الجمهور للتطورات العالمية والمحلية المتعلقة بإنتشار الوباء، وتمت محاصرتها من الوصول إلى الخبر والمعلومات الرسمية ومحاورة المسؤولين في القطاع الطبي والمرضى. لقد مارست الصين سياسة شاملة وواسعة النطاق للتعتيم على المعلومات المتعلقة بفيروس كورونا، والمخاطر التي يشكلها على الصحة العامة، وصلت إلى حد إعتقال الصحفيين وتوقيف صحيفة Beijing Youth Daily ومجلة Caijingبتهمة “نشر الشائعات “والتشكيك في الارقام الرسمية لعدد المصابين والموتى.
كما تعرض الأطباء للتهديد والترهيب، بسبب محاولة تبادل المعلومات حول فيروس كورونا، ونشر لقطات من المستشفيات في مدينة ووهان على وسائل التواصل الاجتماعي.
إن خروقات حرية الاعلام والحق في الخبر في هذه الفترة الأليمة التي عاشتها الانسانية بسبب جائحة كورونا، تشكل مساسا خطيرا للمادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على ترسيخ كونية حرية التعبير والرأي “يولد جميع الناس أحرارا متساويين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بروح الإخاء”، فضرورة إحترام حرية التعبير والرأي هو حق يسمو على الخصوصيات الديونتولوجية والثقافية لأي مجتمع كيفما كان نوعه.
وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة Antonio Guterres، مطالبة السلطات في بعض الدول إلى عدم إستغلال حالة الطوارئ للتعسف في فرض القيود على الحريات العامة للأفراد، والتضييق على الصحفيين والجمعيات الحقوقية أثناء القيام بواجبهم المهني وإتهامهم بالترويج لنظريات المؤامرة. لا غرو أن فيروس كوقيد–19 سيترك بصماته بالتأكيد على الحياة السياسية للدول، و تساؤلات كثيرة تحيط بأثاره على حقوق الإنسان على المستوى الوطني، فهل تشكل الجائحة إعلانا صريحا عن التراجع عن كونية حقوق الانسان وإعتبار الحريات العامة مسألة متعلقة بالسيادة الوطنية.